قبل عدة ليال جاء المكتبة أحد الأصدقاء القريبين من القلب، وفي أحاديثنا التي لا تنتهي إلا لتبدأ، عرفت أنه لا يستطيع النوم براحة، حاولت أن أنقل له بعض تجارب الآخرين الذين حصلوا على قسط من النوم بإزاحة كل الأفكار، قلت له ما لك إلا أن تطرد الأفكار التي تنط على فروع عقلك مثل القرود بصورة نهائية عن طريق التفكير بشيء واحد، قال لا أستطيع لأنني بعد أفكر بهذا الشيء، لا أعرف كيف وأعود لنفس الفكرة.

تذكرت إحدى القصص التي قرأتها في الانترنيت تحت عنوان (ضع الأس على الطاولة.. وارتح قليلاً) فحكيتها له، تقول القصة.

في يوم من الأيام كان محاضراً يلقي محاضرة عن التحكم بضغوط وأعباء الحياة لطلابه، فرفع كأساً من الماء وسأل المستمعين: ما هو في اعتقادكم وزن هذه الكأس من الماء؟ وتراوحت الإجابات بين 50 جم إلى 500 جم.

فأجاب المحاضر: لا يهم الوزن المطلق لهذا الكأس، فالوزن هنا يعتمد على المدة التي أظل ممسكاً فيها هذا الكأس، فلو رفعته لمدة دقيقة لن يحدث شيء ولو حملته لمدة ساعة فسأشعر بألم في يدي، ولكن لو حملته لمدة يوم فستستدعون سيارة إسعاف. الكأس له نفس الوزن تماماً، ولكن كلما طالت مدة حملي له كلما زاد وزنه.

فلو حملنا مشاكلنا وأعباء حياتنا في جميع الأوقات فسيأتي الوقت الذي لن نستطيع فيه المواصلة، فالأعباء سيتزايد ثقلها. فما يجب علينا فعله هو أن نضع الكأس ونرتاح قليلا قبل أن نرفعه مرة أخرى.

يجب علينا أن نضع أعباءنا بين الحين والآخر لنتمكن من إعادة النشاط ومواصلة حملها مرة أخرى.

فعندما تعود من العمل يجب أن تضع أعباء ومشاكل العمل ولا تأخذها معك إلى البيت لأنها ستكون بانتظارك غداً وتستطيع حملها.

لنضع في اعتبارنا إن هناك آلاف الأفكار السلبية التي تحاول أن تأخذنا معها، ويُطلب منا ممارستها والإذعان لها، قد تكون غرائزية، قد تكون ذهنية، قد تكون في رد الإساءة إلى من أساء لنا، قد تكون رغبة في الانتقام، قد تكون نوع من أنواع الحسد أو الحقد الديني أو المذهبي أو القومي أو الطبقي، آلاف الأفكار تحتاج منا العمل لرميها في أقرب سلة قمامة.

لكن إذا قلت لهذا أو ذاك من الناس ارم أفكارك في سلة القمامة، سيفكر في سلة القمامة. وهذا جيد إن عرف كيف يحول سلة القمامة إلى موضوع للتأمل. لكن أكثرنا لا يعرف ذلك .

إن التخلص من الأفكار غير المهمة، في تصوري، هو أحد الفنون التي على كل إنسان أن يتقنها، وهذا الإتقان لا يمكن أن يتم إلا عن طريق ممارسة التأمل، وطرق التأمل كثيرة، ما عليك إلا أن تختار الطريقة المناسبة لك. ابحث عن طرق التأمل في أقرب مكتبة أو عن طريق الأستاذ (غوغول)