وأنا أكتب هذه السطور لا يتوقف هاتفي عن اتصالات أحد العاملين بقناة العالم الإيرانية من بيروت، وهي اتصالات بدأت قبل عدة أسابيع ومازلت أحاول الاعتذار عنها دون أن يفهم القائمون على القناة عدم جدوى محاولاتهم بإقناعي بالمشاركة في أحد برامجهم الحوارية المباشرة، وهو ما يدفعهم للإصرار على مواصلة المحاولات التي وصلت في أحد الأيام إلى نحو 28 مكالمة هاتفية في يوم واحد.
وأنا أكتب هذه السطور تصلني رسالة نصية قصيرة من أحد الأصدقاء الصحافيين يقول إن قناة العالم اتصلت به وطلبت منه استضافته في برنامج حواري مباشر اليوم، ولكنه اعتذر.
ليست هذه القصص موضوع العنوان، ولكن من الأهمية بمكان هنا توضيح مسألة هامة قد تكون غائبة لدى بعض السياسيين والإعلاميين الذين بدأوا بالتعاطي مع هذه القناة التي تقود الخطاب الإعلامي الإيراني المناهض للدولة البحرينية منذ فبراير 2011 ومازالت.
فجأة ومن دون سابق إنذار صار القائمون على القناة مهتمين للغاية بالاستماع إلى الصوت الآخر، وإلى آراء بقية مكونات المجتمع بعد أن منعوها من الظهور تماماً على مدى عام ونصف العام لسبب رؤيتهم الأحادية للأوضاع في المنامة، وارتباطهم بالمشروع الإيراني الرامي إلى دعم مكوّن واحد فقط للصعود إلى قمة النظام السياسي البحريني لتأسيس نظام يقوم على ولاية الفقيه كما هو الحال في طهران أو بغداد.
قناة العالم الإيرانية خطابها الإعلامي معروف، وأهدافها السياسية مكشوفة، وكذلك فبركاتها معروفة أيضاً، وهي من أهم وسائل الإعلام الدولية التي ساهمت في تصاعد أحداث حركة اللاعنف التي تمت في فبراير ومارس من العام الماضي. وعليه لا أعتقد بعدما قامت به ضد الدولة البحرينية، وحتى ضد دول مجلس التعاون الخليجي وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية أنها تستحق الدعم، وتستحق المشاركة في برامجها، بل تستحق المقاطعة على صعيد المشاركة في برامجها المختلفة، وعلى صعيد مشاهدة برامجها المختلفة أيضاً.
إذن ما السبب الذي يدفع القناة إلى محاولة إظهار بعض الشخصيات البحرينية سواءً كانت إعلامية أو سياسية بشكل مفاجئ، بدلاً من اقتصار برامجها على وجوه وشخصيات تمثل المعارضة الراديكالية داخل وخارج المملكة؟
السبب يبدأ من المحاولات التي بذلتها هيئة شؤون الإعلام منذ شهور عدة بمطالبة الهيئة المعنية ببث إرسال عربسات بضرورة إيقاف قنوات العالم وغيرها من القنوات الإيرانية المرتبطة بالنظام الإيراني. ولكن هذه المحاولات باءت بالفشل، رغم تأكيد المنامة أن خطاب هذه القنوات عدائي ومناهض لدولة عربية، فضلاً عن عدم موضوعيتها وعدم مصداقيتها.
الهيئة المعنية بإرسال عربسات لم توافق على طلب البحرين، وهو ما اضطرها لاحقاً إلى الانسحاب من باقة عربسات والظهور على باقات إرسال أخرى احتجاجاً على هذا الموقف. في الوقت نفسه أدرك القائمون على قناة العالم أنهم أمام تحدٍ جديد قد يؤدي بهم إلى إيقاف إرسالهم على قمر عربسات الفضائي، وبالتالي خسارة الجمهور العربي، وهو مهم في عملية مد النفوذ الإيراني في المنطقة، فتمثل الحل طبعاً في ضرورة إشراك آراء الأطراف الأخرى في البرامج الحوارية والإخبارية المتعددة بشأن البحرين تحديداً حتى تبرز القناة أكثر موضوعية، وأكثر مصداقية. بعد هذا العرض لا أعتقد أن القناة تستحق أن يرد على اتصالاتها، أو أن يتم المشاركة في برامجها، فضلاً عن متابعتها بالمشاهدة من قبل الجمهور.