«الجنون فنون وقلة العقل مصيبة”.. مقولة طالما وقفت عندها دون الخوض في تفاصيل معانيها، ليس لأني لم أفقه الكلمات. بل لاعتبارها بسيطه، وقد تكون ذات نكهه ظريفه في بعض الأحيان على طريقة العرافين وقارئ الفنجان.
فالعرافون ينصبون أنفسهم كنجوم للساحة يطلقون على إثر ذلك التباشير ويتوقعون بمجرى الأحداث ولا مانع من جرعة أكبر هنا وهناك، انقلاب في هذا القطر وفوضى في ذاك.. وبعيداً عن وجهة النظر الشرعية في التنجيم، والتي تعتبر ثابتة وواضحة إذ لا يعلم الغيب إلا الله، كما إن أحداً عاقلاً لا يمكن أن يبني استراتيجياته بل وحتى آماله وطموحاته على تصريح لهذا المنجم أو ذاك.
لكن العراف “بول” وحده الذي شغل العالم وأصبح نجماً خلال بطولة كأس العالم بجنوب أفريقيا 2010 بعدما اجتذب ثقة لاعبي كرة القدم والمشجعين ورجال السياسة، وأثار الاهتمام نفسه الذي حظي به مشاهير اللاعبين أمثال رونالدو وميسي وكاسياس وغيرهم، عندما توقع فوز إسبانيا على ألمانيا في نصف نهائي البطولة، وهو ما تحقق ليتأهل الإسبان للمباراة النهائية بعد تفوقهم بنتيجة 1-صفر.
هذا وكان سبق للأخطبوط أن توقع فوز المنتخب الألماني في مبارياته مع أستراليا وغانا وإنجلترا والأرجنتين وهزيمته أمام صربيا وهو ما حدث بالفعل. وأصبح نجماً إعلامياً في كل أنحاء العالم حيث انتشرت أخباره وصوره في كل شاشات التلفزيون والصحف العالمية، كما نقلت المحطات العالمية وقائع عملية توقع الأخطبوط بنتيجة مباراة المنتخبين الهولندي والإسباني على الهواء مباشرة مرفقة بتعليق مراسلين.
وأصبحت صفحة “بوبلو بول” الخاصة بالأخطبوط على موقع “تويتر” للتواصل الاجتماعي من أكثر الصفحات التي يجري البحث عنها، كما تتحدث العديد من صفحات موقع “فيس بوك” للتواصل الاجتماعي على الإنترنت عن الأخطبوط.
حتى جاء تاريخ 26 من أكتوبر 2010 عندما نفق “بول” نتيجة لموت طبيعي كان متوقعاً أن يتوفى في أية حال قبل كأس أوروبا 2012، إلا أن صاحب الأخطبوط تأثر كثيراً بوفاته وقال يومها “هذا يوم حزين غادرني فيه رفيقي بول، كنت أعلم أنه سيتوفى ولكني أردته أن يظهر في الفيلم الذي كان من المقرر أن يصور خصيصاً من أجله ويحمل عنوان “بول”.
لكن الجنون والفنون لم يتوقف بموت “بول”.. فتارة يقال بأن بغبغاء هندي سيقوم بالمهمة -وتارة أخرى يقال بأن خروفاً عربياً من سيتولاها- وقامت إسبانيا باختبار أخطبوط آخر على طريقة “بول العراف”، فتوقع الأخطبوط الجديد فوز ريال مدريد على غريمه التقليدي برشلونة في مباراة الكلاسيكو الأخيرة وصدقت توقعاته، ألمانيا ابتدعت فكرة جديدة حول التوقعات فاختارت فيلا يدعى “نيلي” ليكون خليفة الأخطبوط العراف بول.
واستكمالاً لمسلسل الغرائب، أعلن في العاصمة الأوكرانية الأسبوع الماضي أن خنزيراً أوكرانياً سيقوم بالمهمة -بينما نصبت بولندا الفيلة “سيتا” ليخلفا بذلك “بول” الذي اشتهر نظراً لتوقعاته السليمة لنتائج المباريات والتي وصلت إلى 100% .
لكن السؤال: هل هناك من سيكون بمقدرة “العراف بول” على توقع النتائج والحفاظ على سجله خالية من الأخطاء.. يجب أن نعترف بأن العراف بول كان قد أعطى الكثير من النكهة الممتعة بتوقعاته إلى منافسات كأس العالم.. اللهم ثبت لنا العقل!!