وردتني هذه الرسالة من طالبة بجامعة البحرين تنقل للقارئ الكريم بعض ما جرى في لقاء السفير الأمريكي مع طلبة جامعة البحرين قبل فترة.
أترككم مع رسالة الطالبة ولي تعليق موجز بعدها.
قبل فترة قام السفير الأمريكي، توماس كراجيسكي، بزيارة تعتبر الأولى من نوعها إلى جامعة البحرين للقاء طلبة الجامعة بحضور الطلبة من مختلف الكليات.
ما إن دخل السفير القاعة ببدلته الأنيقة وابتسامته التي (شقت عرض وجهه) وعفويته معنا حتى قلت: “أيعقل أن يكون هذا السفير الذي أحدث كل هذه الفوضى في العراق -وكان وربما مازال- يسعى إلى تحقيقها في البحرين أيضاً؟ معقولة؟ يبدو لطيفاً”!
لكني قطعت هذا التفكير وذكرت نفسي أن هذه الطلة إنما هي الطلة المعتادة للسياسيين الأمريكيين المعروفين بدبلوماسيتهم التي توهم الناس أن جل ما يفعلونه هو لمصلحة الطرفين، في حين تكون لمصلحتهم هم وحسب.
وما إن فتح السفير فمه ليتكلم حتى تأكد ذلك من خلال كلامه المليء بالتناقضات، بدأ كلامه بقوله إن سبب قدومه للبحرين هو متابعة مصالح دولته (بطبيعة الحال فهذه وظيفة السفير) ولكنه أتى إلى الجامعة ليستمع إلى أصواتنا وتطلعاتنا لأن آرائنا تهمه وهو يريد سماعها (لم أكن أعلم أن من وظائف السفراء الالتقاء بطلاب الجامعات حتى يتعرفوا عليهم وعلى توجهاتهم السياسية أيضاً!).
المهم، واصل السفير كلامه وطبعاً قدم الدعاية لبرنامج فول برايت (المعروف لابتعاث الطلبة إلى أمريكا) وقام باستعراض العلاقات البحرينية الأمريكية باختصار حتى ينتقل إلى “سماع آرائنا وتطلعاتنا”.
هناك الكثير من النقاط التي طرحت، ولكن لضيق المساحة سأذكر بعضاً منها.
كرد على سؤال أحد الطلبة؛ أوضّح السفير تأييد الولايات المتحدة الأمريكية المطلق لإسرائيل، وتكلم في ذلك بإسهاب وبكل فخر وقال إن إسرائيل هي حليفتهم وهم يحاولون “نصحها” بشأن ما تفعله في فلسطين ولكنهم في النهاية لن يتخلوا عن إسرائيل مهما كان (يعني الزبدة احنا نأيد إسرائيل واللي مب عاجبه يطق راسه في الطوفة).
وهنا أقول: صباح الخير يا سعادة السفير، هذا الموضوع لا يحتاج إلى عبقري ليستنتج ذلك، ولكن كيف تتجرأ وتقول هذا الكلام بالفم المليان وأنت تخاطب مجتمعاً تعلّم وتربّى في بيته على أن القضية الفلسطينية هي قضيته دوماً وأبداً؟!
لكني أعجبت برد أحد الطلبة على هذه النقطة الذي قال -باختصار- للسفير: “أنت قلت إن الولايات المتحدة الأمريكية لن تتراجع عن دعمها لحليفها الإسرائيلي رغم ما تفعله في فلسطين، وأن علينا أن نتقبل هذه الفكرة ونتعايش معها (وهنا كان كراجيسكي يبتسم بكل تعالٍ).. نحن نقول لك إننا سندعم القضية الفلسطينية وسنقف معها مهما كان الثمن وعلى الحكومة الأمريكية أن تتعايش مع ذلك.”
أحدث هذا الرد من الطالب على السفير ضجيجاً وتصفيقاً حاراً منا جميعاً حتى ضجت به القاعة.
أيضاً من النقاط المهمة التي تم التطرق إليها في ما يسمى لقاء السفير بالطلبة هو التدخل الأمريكي في مملكة البحرين.
فقد قال السفير إن الحكومة الأمريكية صدمت مما حصل في البحرين، وخوفاً على مصالحها في المنطقة وعلى حليفها الاستراتيجي مارست (بعض الضغوطات على الحكومة البحرينية) لحل هذه الأزمة، ولكنهم لاحقاً اتخذوا قراراً في واشنطن بترك الموضوع للبحرينيين فهذا الأمر خاص بهم وعليهم أن يحلوا هذه المشكلة (والله مشكورين إنكم تكرمتوا وتفضلتوا بهالشي!)، وأن الحقيقة مختلفة عما نقرأه عن تدخلهم. أرأيتم التناقض؟
ردت عليه إحدى الطالبات وقالت: “كيف لم تتدخل الحكومة الأمريكية في البحرين وأنت قلت إنها مارست بعض الضغوطات على الحكومة؟ ألا يعد ذلك تدخلاً؟”
وهنا طبعاً لف السفير ودار في الإجابة. بصراحة كنت فخورة بزملائي الطلبة والطالبات الجامعيين وبالأسئلة التي وجههوها للسفير التي تمنيت أن أنقلها جميعها هنا، ولكن أود أن أوضح أن السفير لم يسمع حتى ربع ما نحمله من مشاعر في صدورنا ومن غضب على الحكومة الأمريكية لتدخلاتها المستمرة في بلادنا، وأن هذه الأسئلة إنما كانت نسخة مهذبة احتراماً له ولأنه في النهاية ضيف محسوب علينا في الجامعة.
اقول للسفير الأمريكي: “نحن واعون يا حضرة السفير أنه لا يوجد شيء اسمه فاعل خير في لعبة السياسة، ونحن نعلم أن كل دولة تفعل ما تفعله طالما يخدم ذلك مصالحها، ولكن ألا ترى أنكم تعديتم حدودكم في تدخلكم في مملكتنا من باب “حماية مصالحكم”؟ كيف ستشعرون لو تدخلت البحرين أو أي دولة عربية في المظاهرات التي حدثت في وول ستريت التي كان متظاهروها سلميين على عكس المتظاهرين في البحرين؟
أهذه الديمقراطية الفاضلة التي تروجون لها؟ وهنا أضيف: نحن لا نقبل أن يتدخل كائناً من كان في أمورنا الداخلية، فنحن دولة مستقلة ولنا سيادتنا، وكونكم دولة صديقة وعظمى ذات قوة لا يمنحكم ذلك الحق في استغلال ذلك وإصدار تصريحات متناقضة طوال الوقت والتدخل في شؤوننا.
اعلم يا سعادة السفير أننا نرفضكم ونرفض كل ما تمثلونه، وتأكد أننا لا نهتم بمشاركة أفكارنا وآرائنا معكم كما يتهيأ لكم، فإن كانت المعارضة الإرهابية – التي هي أقلية لا تمثل الشعب البحريني- تأتي وتلتقي بكم وتتباكى عند أبوابكم طالبة أن تسمعوا نعيقها الكاذب (الذي يأتي على هواكم) فذلك لا يعني أن الغالبية تريد ذلك أيضاً، فرجاء لا تمنحوا أنفسكم حقوقاً ليست لكم، ولمرة مارسوا تلك الديمقراطية التي صممتم آذان العالم بترويجها ودعونا نهتم بشؤوننا كما نريد!
رحاب العباسي
طالبة إعلام في جامعة البحرين
^ تعقيب على الرسالة
في الحقيقة لم أعرف ما هو الهدف من زيارة السفير الأمريكي إلى جامعة البحرين، لكن مع ذلك لا يعتبر هذا اللقاء سيئاً مادام لدينا طلبة وطالبات وطنيون يحبون بلدهم ويعرفون كيف يردون بذوق وأخلاق عالية على استفزازهم من السفير حين يذكر مغالطات أوأنه يقول لهم هكذا ودون مواربة (إننا ضغطنا على حكومة البحرين خلال الأزمة)..!
إنني فخور تماماً بهذا الجيل الجميل الرائع الذي رد بشكل قوي على تلاعب السفير بالألفاظ، حقيقة أنا فخور بهكذا طلبة، أنا فخور بأنكم أسمعتم السفير أن قضيتنا الأولى هي القضية الفلسطينية (وفلسطين لن تحرر إلا بمثل رجلين، عمر بن الخطاب الذي فتح القدس، وصلاح الدين الأيوبي الذي حررها).
وإني أقول للطلبة الكرام، وإلى السفير (إذا كان يود السماع) إن القضية التي تقف جنباً إلى جنب مع القضية الفلسطينية هي قضية وقف المد الصفوي، وتحرير بلاد المسلمين من احتلال إيران للجزر الإماراتية، والأحواز، وهناك من يقول حتى نحرر فلسطين يجب أن نفعل كما فعل صلاح الدين الأيوبي، حرر مصر من الدولة الفاطمية، عندها تمكن من تحرير القدس، حين نزع خنجر الغدر من الخاصرة.
أقدم تقديري ومحبتي لكل الطلبة والطالبات الشرفاء الوطنيين الذين صدموا السفير بإجاباتهم عليه وربما عرف السفير حجم الحنق الداخلي على السياسات الأمريكية التي وقفت إلى جانب الإرهابيين والقتلة ومن يستبيحون الحرمات ويقطعون الطرقات ويعطلون مصالح الناس.
تحياتي لطلبة جامعة البحرين وإلى أختنا الصغيرة رحاب العباسي.