حتى وقت قريب كان الشاب البحريني مثله مثل أي شاب في العالم إن مرت بالقرب منه فتاة جميلة أو لمحها من بعيد طارت إليها عيونه واستثير وشعر للحظة أنه يفقد توازنه فتهزه نفسه فيقرر مغازلتها، والمغازلة تختلف من شخص إلى آخر، فهناك من يكتفي بالنظر بعينيه “يبحلق” بهما بينما يقول في سره كلاماً معيناً لعلنا نعرفه جميعاً من مثل (آيّه عليها.. ذبحه.. قطعة) وغيرها من كلمات يزخر بها قاموس الغزل، وهناك من يتجرأ فيرمي كلمة أو أكثر أو يتنحنح ليلفت انتباه الشابة أو يرمي رقم هاتفه (كأنه بالغلط يعني)، وهناك من تكون درجة الجرأة لديه أكبر فيورط نفسه في خطأ يندم عليه لاحقاً.
اليوم لم تعد الفتاة الجميلة تجد من يلتفت إليها إلا القليل، فالشباب البحريني انقسم إزاء هذا السلوك إلى قسمين؛ قسم ارتفعت درجة التدين لديه حتى صار يمشي وهو يستغفر الله إن وقعت عينه صدفة على فتاة ولعله يصلي ركعتي استغفار لحظة وصوله إلى البيت أو ربما -إن كانت درجة التدين لديه عالية- في الدوام، وقسم هجر النظر إلى الفتيات لأسباب سياسية وصار تفكيره وعيونه مركزة على أمور أخرى أشهرها “التواير.. وسلندرات الغاز”، وصار الواحد من هؤلاء إن مر على إطار سيارة “محد له” غازله بطريقته، فمنهم من يقول في نفسه “آيّه عليه هالتاير.. ياريت أحصله.. وأدلعه”، ومنهم من “يبحلق” فيه ولعله يلقي عليه السلام أو حتى “يرقمه”، ومنهم من يتجرأ فيختطفه و«يفوشر” به بين زملائه وهو يجره نحو النار التي تتراقص على “بدنه” احتفالاً به قبل أن يرقص هو ابتهاجاً بتعطيل حياة الناس! أما إن مرت على هذا النوع من الشباب سيارة السلندرات فالأكيد أن اللعاب يسيل.. والخيال يسرح.. والغزل ترتفع حرارته وربما استحضر في اللحظة الأغنيات الرومانسية بأنواعها!
هذا التحول في طرق الغزل ومراميه ووسائله ينبغي أن يجد الاهتمام من قبل العاملين في مجال الاجتماع بدراسته والبحث فيه كونه يمكن الاستدلال به على تطور جانب من المجتمع إيجاباً أو سلباً وهو في كل الأحوال مؤشر على توجهات الشباب ومدى تأثرهم بما هو في بيئتهم من حراك ديني وسياسي. هذه الدعوة جادة ليس فيها أي مزاح قد يستنتج من طريقة كتابة هذا المقال الذي بالتأكيد لا يخلو من سخرية مرة، ذلك أن تغير اهتمامات الشباب وانقسامهم بهذا الشكل الحاد إلى فريقين أحدهما أسير التدين والآخر أسير السلوك غير الحضاري بحرق الإطارات في الشوارع وتفجير سلندرات الغاز وإرهاب الآمنين، هذا التغير ينبغي أن يجد من يرصده ويدرسه ويبحث فيه ليصل بذلك إلى استنتاجات وربما حلول لاشك ستساعد ذات يوم على تطور المجتمع البحريني وتبين حراكه.
ما هو واضح أن الشباب البحريني يعيش مشكلات خطيرة، دون أن يعني هذا الدعوة إلى “المغازل”، ولو أن المغازل -حسب البعض- أفضل من تيه الشباب وانغماسهم في التطرف الذي لا يجنون منه سوى الأذى لهم ولوطنهم، فالمغازل في نهاية الأمر تعبير عن عواطف تجاه إنسان وتجاه صفات جميلة فيه وإن كان كسلوك خطأ تختلف درجته من شخص لآخر، بينما التطرف تعبير عن عقل يتناقص وفكر يضيق.
المؤسف حقاً هو أن المغازل بمفهومه الجديد لم يعد حكراً على الشباب حيث بعض الذين تجاوزوا تلك المرحلة أيضاً يمارسونه ولو بطرق مختلفة، فهذا النوع من المغازل مثله مثل مباريات كرة القدم، البعض يلعب ولكن هناك دائماً جمهور يشجع ويصفق ويهتف.. وإن على استحياء أو صامتاً!