في ليلة من ليالي أبريل الماضي خرج أحمد ذو 17 ربيعاً مع صديقه في جولة بالسيارة، يمضي وقته كما يمضي كل الشباب الأسوياء في مثل عمره أوقاتهم، لكن ليس كل الشباب يعيشون الأجواء نفسها، أحمد يقطن مدينة حمد حيث تجول الأشباح أحياءها ودواراتها -كما في مناطق كثيرة- تحت أستار الظلام تزرع بذور الموت وسط الطريق لرجل أمن أو لعابر بريء لا فرق. عند دوار 18 ترجل أحمد ليزيح إطارات محترقة تسد الطريق مستعيناً بعصا حين انفجرت قنبلة مخبأة وسط الإطارات أشار التحقيق أنها معدة لتفجر عن بعد، واستحال الصبي في لحظات إلى كتلة من نار بحسب صديقه الذي اندفع نحوه من هول المنظر بلا وعي، ليصاب أحمد بحروق نسبتها 72% ويدخل فيما بعد في غيبوبة طويلة يصاب خلالها بتسمم في الدم وجلطة في الدماغ ويفقد حياته في 17 من العمر، ويصاب صديقه بحروق في محاولة إنقاذه، وليفخر زعماء المعارضة ويرفعوا أنوفهم عالياً، زرعتم الكراهية وهذا ما جنيتموه، رسمتم دوامة العنف والسحق وسحقتم أحمد وسطها، وهو لا من المرتزقة ولا مسّ حرة من الحرائر. أتساءل عن اللحظات الجنونية وإحساس الرعب والألم الذي عايشه أحمد الذي كان قبل لحظات فقط في منتصف تلك الليلة 16 أبريل 2012 شاباً عادياً جداً اهتماماته بسيطة وحياته أبسط، وصار رمزاً لما هو عليه الإرهاب وعواقب انفلات الأمن المرير وترك العصابات المجرمة تتلاعب بحياتنا وتقتل أولادنا، صار ببساطة رمزاً لن ينسى ومثله أبرياء آخرين غدر بهم الإرهاب ونحن نتفرج ونصدر البيانات ونتابع بصمت هو أسوأ من العنف ذاته. لا أدري كيف شعر أحمد إزاء منظر الإطارات المحترقة أمامه وماذا دفعه للترجل وتحريكها، لكني أحسب منظر إطارات تحترق على الطريق في محيط شاب مثل أحمد يعد أمراً عادياً مألوفاً وروتين يومي للأسف، بعض الصغار يحيون في بيئة آمنه وليس كل الصغار يحظون بمثل هذا الترف، ونعلم هذا جيداً هنا في البحرين، آخر ما وقعت عينا أحمد عليه كان منظر الإطارات المحترقة التي صارت تمثل رمزية خالدة في أذهان البحرينيين، فهي ليست إطارات؛ إنها قيود تخنق أنفاسنا، إنه إرهاب يفرض نفسه ويقول لنا تعايشوا معي شئتم أم أبيتم، إنها حاجز خوف نتمنى أن نكسره بدلاً من أن نتوقف منتظرين حضور الشرطة وإزالته.. وهذا ما فعله أحمد. لا يمكن أن يرقى ما أكتبه الآن وكل ما سوف يكتب لمستوى مشاعر أي بحريني فضلاً عن مشاعر أهل الشهيد أحمد سالم الظفيري، قلت لأشرف الظفيري أحد أقرباء أحمد أن أعلام الفرح قد نكست في قلوب كل أهل البحرين والبحرين في حداد لمصاب أسرة الظفيري والدموع في عيون كل أم وكل أب وكأن من استشهد ابنهم، وهو بالفعل كان من الممكن أن يكون ابن أو ابنة أي منا، سألته عن حال أم أحمد وأنا ألوم نفسي لمجرد طرح السؤال.. ما أقساه من سؤال.. وما أقسى هذا الواقع الذي نعيشه، لا أملك ولا نملك إلا أن ندعو لأحمد بالرحمة والمغفرة ولوالدته ووالده وجميع أفراد أسرته بالصبر وندعو لمشاركة الأسرة تشييع الشهيد بعد صلاة عصر اليوم في مقبرة الحنينية علها تستأنس بدفء القلوب وطيب المشاعر في وحشة مصابها هذا.