يتساءل كثير من أبناء الطائفة السنيّة عن دور المعتدلين من أبناء الطائفة الجعفرية في الخروج من الأزمة السياسية الناشئة عن الأحداث المؤلمة التي شهدتها البلاد في العام المنصرم، والتي لاتزال تداعياتها السلبية تلقي بظلالها على البلاد والعباد، وتعطِّل التفكير الإيجابي لدى الناس، وتحبط آمالهم بغدٍ مشرقٍ يتم فيه تجاوز الماضي، والعبور بثقةٍ وثباتٍ باتجاه المستقبل. ويكاد المرء يشهد ميزةً سائدةً في خطاب اللوم والتقريع الموجّه من قبل البعض لأبناء الطائفة الشيعية، وفحواه أن هؤلاء كلهم “رهنوا أنفسهم لمرجعيّة دينية متشدِّدة”، وأصبحوا ينفِّذون علناً “أجندات خارجية مشبوهة”، وأن الحوار الوطني مع مثل هؤلاء “فاقد الشرعية، وعديم القيمة”. ومع أن هناك كماً هائلاً من التحفّظات على أفكار بعض الزعامات السياسية الشيعية، وتحركاتهم التي يرسمونها على أساسها، إلا أن (الأغلبية الصامتة) من أبناء المذهب، إن جاز التعبير، يفضِّلون عدم البوح بها رغبةً في تعزيز “التضامن المذهبي”، على اعتبار أن الضرر لحق بالجميع، ولا بّد للجميع إذن أن “يتكاتفوا معاً” حتى يتمكنّوا من مواجهته أو التقليل من أثره. لكن أصوات الاعتدال لدى أبناء الطائفة الشيعية صارت تتصاعد يوماً عن يوم، فمع تضرّر المجاميع الغفيرة من أبناء الطائفة من الأفعال الصبيانية العنيفة البائسة التي يتم الإعداد لها وتنفيذها كفرضٍ يوميٍ “واجب الأداء”، بدأ الكثيرون يتذمّرون في العلن من جرّاء هذه الممارسات، ويحاولون إعاقتها بمختلف الوسائل المتاحة لديهم، لدرجة أن صار البعض منهم يلجأ للصحافة كي يشكي حاله علّه يجد من يتفهّم رأيه من أبناء جلدته، وبات البعض الآخر يستشعر أهمية الخطاب العقلاني المتوازن لدى الفئة المستنيرة التي تسمِّي الأشياء بمسمياتها. أحسب أن مثل هذا الخطاب العقلاني لدى بعض أفراد الطائفة الشيعية بدأ يشّق طريقه ببطء في أوساطهم، خصوصاً بعد أن اتضحت طبيعة الخطاب التأزيمي للمعارضة، وغياب البرنامج الاستراتيجي لديها لحلحلة الأزمة الراهنة، وبعد أن برهنت القيادة السياسية على استيعابها للمتغيِّرات الإقليمية والدولية، واتخذت درب الإصلاحات الديمقراطية التدريجيّة وسيلةً فاعلةً لإنجاز الطموحات الشعبية وستثبت الأيام القادمة مدى قوّة هذا الخطاب ونزاهته ومفاعيله!