تردَّدْتُ كثيراً قبل أن أقول هذا الرأي ، الذي قررت أن أقوله، وذلك تحاشياً لسوء الفهم وتجنباً لليِّ أعناق الحقائق فقد كان على الذين بادروا إلى الاعتراض على إيران لأنها لجأت إلى الـ “فيتو” المعمم ضد الانتقال بمجلس التعاون الخليجي من صيغته الحالية إلى “الاتحاد”، ومعهم الحق كله، أن يتذكروا أن مثل هذا الـ “فيتو” هو الذي عطَّل انضمام الأردن إلى هذا المجلس ويبدو أن هذه المسألة باتت منتهية وأن هذه الصفحة غدت مطوية، ونحن إذْ نقول هذا الكلام فإننا نقوله ليس من منطلق لا الغضب ولا العتب وإنما من منطلق المحبة.
ربما يتذكر الأصدقاء أو “الرفاق” الذين لا تزال لديهم بقايا لوثة يسارية أن “الرفيق” فلاديمير أليتش لينين قد قال: “أنك إن أنت تراجعت أمام الخصم خطوة فإنك تشجعه على أن يطالبك مجدداً بالتراجع خطوتين”، ولعل ما لم يتنبَّه إليه “الأشقاء” الأعزاء الذين اعترضوا على انضمام الأردن، “المملكة الأردنية الهاشمية”، إلى مجلس التعاون الخليجي استجابة للضغط الإيراني وتجاوباً مع الرغبة الإيرانية أنهم بهذا الموقف الذي اتخذوه قد شجعوا إيران على المزيد من التمادي وعلى استخدام الـ “فيتو” ضد الانتقال بهذا المجلس من صيغته الحالية إلى صيغة الاتحاد وفقاً لما أراده خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود.
نحن لا نتحدث بمرارة لأن الذين اعترضوا على خطوة انضمام الأردن إلى مجلس التعاون الخليجي، والأردن هو أقرب الدول العربية إلى هذه المنطقة جغرافياً وسياسياً وديموغرافياً وتراثياً، هم الذين كنَّا نعتبرهم الأقرب إلينا وهم الذين علَّم أساتذتنا أطفالهم أول حروف القراءة والكتابة وهم الذين خضّبت دماء جنودنا البواسل تراب أوطانهم الغالية والعزيزة، وحقيقة أننا ورغم كلِّ ما حصل فإننا لا نزال نعتبرهم الأقرب إلينا وهم سيبقون الأقرب إلينا ودائماً وأبداً.
لقد كان الأردن يعرف، وكان متأكداً من هذا، أن الاعتراض على انضمامه إلى مجلس التعاون الخليجي قد جاء إن ليس تحت الضغط الإيراني فاستجابة للرغبة الإيرانية، ولقد كان يعرف أن إحباط هذه الخطوة سيشجع ذوي النزعة الفارسية العنصرية في إيران على التمادي أكثر، ولهذا فقد جاء الاعتراض المعمم على الارتقاء بالمجلس الخليجي من صيغة التعاون إلى صيغة الاتحاد وهذا يؤشر إلى أنه قد يأتي اليوم، وهذا لا نتمناه، الذي قد تطالب فيه إيران دخول هذا المجلس أو إلغائه والخوف كل الخوف من أن يستجيب بعض الأشقاء الأعزاء أيضاً لمثل هذه الرغبة الإيرانية.
عندما أبدى الأردن رغبة قديمة بالانضمام إلى هذا المجلس فإنه لم يلجأ إلى هذا تحت ضغط أوضاعه الاقتصادية الصعبة فقط؛ بل وأيضاً لأنه يدرك أن مسؤوليته القومية وأن موقعه الجغرافي يمليان عليه وفي كل الظروف ودائماً وأبداً أن يحمي خاصرة إخواننا الخليجيين الشمالية ليس من المخدرات والمتفجرات والسلاح فقط وإنما أيضاً، وهذا هو المهم، من أن تقترب إيران من خلال رؤوس جسورها في المنطقة، ورؤوس الجسور هذه معروفة، من حدودهم وتحقق تطلعاتها بتطويق عواصمهم من الشمال بعد أن طوقتها من الجنوب ومن الشرق.
لا يمكن أن نغير أو نتغير وسنبقى نعض على الجرح ولن نتخلى عن واجب الأخوّة والجوار مهما حصل، ولكن ما يهمنا ويخيفنا أن تشجع الاستجابة للرغبة الإيرانية “أولاً” و«ثانياً” على أن تتمادى إيران في تمددها الإقليمي، وهنا فإن ما يجب أن نقوله وبصوت مرتفع هو أننا نسأل العلي القدير أن يطيل في عمر خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي كان قال في لحظة عصيبة قد مرّت بها المملكة الأردنية الهاشمية أن الأردن هو بؤبؤ العين وإنَّا لن نتخلى عنها مهما حصل.. وحقيقة أن المملكة العربية السعودية لم تتخلَّ عن الأردن في أي يوم من الأيام وهذا يقدره الأردنيون من هم من الناس العاديين ومنْ هم في مواقع المسؤولية.
^ عن «الرأي» الأردنية
{{ article.visit_count }}
970x90
{{ article.article_title }}
970x90