المنظمات الدولية، سواء تلك المتفرعة من منظمة الأمم المتحدة كمجلس حقوق الإنسان أو تلك التي تضم منظمات أهلية أو مدنية متعددة الجنسيات كالمنظمات الحقوقية أو المهنية “مراسلون” أو “أطباء” أو غيرها التي بلا حدود، أصبحت واقعاً وقوة فاعلة لها سلطتها على مقدرات الشعوب، وتتدخل في حيثياتها الداخلية وشؤونها المحلية، وتتواصل مع المؤسسات المحلية من جهة ومنظمات الأمم المتحدة من جهة أخرى، وبقدر تفاعل الشعوب بمجموعاتها السكانية مع تلك المنظمات بإمكان تفعيل وتحويل أنظار تلك المنظمات لصالحها أو العكس. إلى وقت قريب لم تكن الغالبية العظمى من شعب البحرين منتبهة إلى أهمية تلك المنظمات ولم تعرها يوماً أي اهتمام، بل لم تكن الغالبية العظمى من الشعب البحريني تهتم حتى بمؤسساتها المدنية المحلية رغم كثرتها، فهناك 600 مؤسسة مدنية لمجتمع لا يزيد على 600 ألف مواطن أي مؤسسة لكل ألف مواطن، إنما غالبيتها لا يزيد عدد أعضائها أو الشريحة التي تستفيد منها عن عدد أعضائها، وهم لا يزيدون عن بضعة عشرات إن لم يكونوا أحياناً أقل من العشرة. وحدها الجماعات التي تمتلك أجندة خاصة بها من اهتم وعمل عملاً دؤوباً داخل وخارج البحرين على مد شباكه مع المنظمات الدولية لأنه وعى مبكراً في أصول “اللعبة” قد نضج وأخذ موضعه، وتم العلم والتعلم بما ستؤول إليه أهمية هذه القوى الفاعلة العابرة للحدود. تقاطعت أجندة هذه المنظمات مع أجندة جماعات تعتاش وتقتات على عقدة المظلومية؛ بل تشعر بأنها ستفقد إحدى خاصيتها إن انتفت مظلوميتها وستفقد هويتها وما يميزها عن غيرها من الجماعات إن هي تخلت عن محركها الأساسي وحافزها ودافعها للحراك العام، فوجدت ضالتها في تلك القوى العابرة للحدود. ومع كل المؤشرات السابقة التي ظهرت والتي تبين أن هناك امراً ما سيحدث، وأن هذا التهافت على الاشتراك في عضوية العشرات من المنظمات الدولية لم يكن عبثاً أو حباً فقط في الاشتراك أو تعدد الأنشطة، إلا أن ذلك لم يحرك أحداً من الغالبية البحرينية لذات الحراك، حتى حدث ما حدث العام الماضي واكتشفنا مؤخراً سر هذا النشاط وشهدنا كيف وظفت تلك العضويات والاشتراكات لخدمة مصلحة جماعة محددة من البحرينيين ضد مصلحة الجماعات البحرينية الأخرى، وبإقصاء لم يشهد التاريخ النضالي للشعب البحريني مثله، وكان لغياب الجماعات الأخرى دور أساسي ومهم في تجاهلها وعدم الاكتراث بصوتها. فالمنظمات الدولية تفاعلت مع “أعضائها” من الجنسية البحرينية الذين كانوا ينشطون معها لسنوات ويزودونها بالمعلومات الخاصة بهم ويمدونها بإحصاءات تعمدت تغييب أي صوت لأي جماعة غير جماعتها، وادعت تمثيل الشعب البحريني كله. المجموعات السكانية الأخرى المكونة لشعب البحرين بدأت للتو ومنذ بضعة أشهر فقط تنشط في التفاعل مع تلك المنظمات الدولية، وهو نشاط غض وليد بعد، يشوبه الإرباك وبعض التخبط وبلا إرشاد وبلا خبرة سابقة، لكنه رغم بداياته المتواضعة بدأ يحدث أثراً ملموساً ويثير الشك في التقارير السابقة والعديد من المنظمات بدأت تلتفت إلى الأصوات الجديدة. هذا الحراك الجديد بحاجة لأن يستمر ويقوى ويتعلم أصول اللعبة ودهاليزها، فالمجموعات السكانية البحرينية أصبح لديها الآن مظلومية وأصبح لديها ضحايا وأصبح لديها مصابون وقتلى ومعنفون، بل أصبح لها ضحايا للاضطهاد والتمييز من الجماعات التي احترفت الشكوى وامتهنتها حتى أجازت لنفسها الظلم والعنف. على المجموعات السكانية الأخرى أن تتعلم الآن التوثيق وتتعلم الشكوى وتتعلم اللجوء إلى القضاء البحريني، وتسجيل ادعاءاتها أولاً بأول، عليها أن تعمل باستقلالية عن الدولة لكن بشفافية تامة وتعلن عن مصادر تمويلها، وعليها أن تنشر تقاريرها وتعلنها وتعمل بنزاهة واحترافية. حتى المنظمات المهنية بارتباطاتها مع منظمات دولية اتضح أنه بالإمكان تسخيرها هي الأخرى لخدمة أعضائها الذين جهدوا هم أيضاً لتدويل مظلومية جماعتهم. اليوم تحولت الجماعات الشاكية إلى جماعات تمارس الظلم والاضطهاد والإقصاء والتدليس والكذب، وأصبح لها ضحايا من المجموعات السكانية الأخرى، لهذا على الآخرين أن يتعلموا الدرس ويحتاطوا ويأخذوا حذرهم، وهذا وعي متقدم يذكرني بما قامت به إحدى الجماعات التي أدركت مبكراً خطورة جماعة ولاية الفقيه لأنها كانت إحدى ضحاياها وهم ما درج على تسميتهم بجماعة “السفارة”. فبعدما ذاقت هذه الجماعة الويل والعذاب والإقصاء والعنف من جماعة ولاية الفقيه؛ تعلمت الدرس فنشطت دولياً وأصبح لديها أعضاء من أكثر الأعضاء نشاطاً وحراكاً واتصالاً في المنظمات الدولية. اليوم على المجموعات الأُخرى أن تتعلم الدرس ولا تعتبر نفسها مستضعفة أو بلا حيلة، ولا تتكل على الدولة؛ بل عليها أن تتحرك لحماية نفسها ومصالحها من الاستحواذ. تنمية الوعي الحقوقي واللجوء للقضاء البحريني أولاً ومؤسسات الدولة ثانياً والإعلام ثالثاً، وبعد هذا لابد من التوثيق من أجل التعامل الدولي، فلا يغفل عن أي أداة تكشف زيف تلك المظلوميات وغيها. .. ومنكم نستفيد!!