حالات القتل المتبادل التي بدأت بشكل عشوائي خلال الفترة الماضية تتعدد أسبابها، فهي بالنسبة للمعارضة الراديكالية جاءت نتيجة لعدم استجابة الدولة لمطالبها السياسية مما دفعها إلى إشراك الأطفال والناشئة وفلول من الشباب في سلسلة من الأعمال الإرهابية المتواصلة، وبالتالي عندما تمت مواجهة هذا الجمهور كان السبب هو حفظ الأمن والاستقرار ومنعهم من تجاوز القانون.
أما بالنسبة لبقية القوى السياسية وجماهيرها التي لا تنتمي للمعارضة الراديكالية فإن ضحاياها على مدى العام ونصف العام كانوا نتيجة مواجهة رجال الأمن للإرهابيين، وكانوا ضحية للتحريض الذي يتم أسبوعياً من خلال المنابر برجال الدين الراديكاليين على غرار فتوى «اسحقوهم»، بالإضافة إلى أن هناك حالات جاءت نتيجة للعنف الطائفي الذي رافق الأحداث التي ابتكرتها المعارضة الراديكالية عندما أعلنت اندلاع «الثورة»، وأعلنت قيام «الجمهورية الإسلامية»، ومثال ذلك أحداث جامعة البحرين، والآسيويين العزّل، بالإضافة إلى الحادثة الأخيرة التي مثلها مقتل الشاب الشهيد الظفيري.
لكل طرف في المجتمع البحريني المنشطر وجهة نظر إزاء مقتل بعض جماهيره، ولكل طرف أيضاً معاييره الخاصة في تحويل من يتوفى إلى شهيد، سواءً كانت هذه المعايير مبالغ فيها، أم مقبولة لأنها عادية.
لسنا بصدد تقييم الأسباب والدوافع التي أدت إلى مثل هذه الحالة المتقدمة من التطرف الطائفي، ولكن يهمنا أن ننظر لها ببعد آخر يتعلق بمحاولات بناء تواريخ بحرينية جديدة، أي ذاكرة بحرينية جديدة بعيدة عن الذاكرة الوطنية الجامعة لمختلف مكونات المجتمع المحلي كالتي تدرّس في مواد التاريخ بالمدارس والجامعات الوطنية.
منذ فبراير 2011 يتوقف التاريخ الوطني للبحرين، ويبدأ التاريخ الطائفي، وهو التاريخ الذي تبدأ فيه كل طائفة وكل مكوّن من مكونات المجتمع المحلي كتابة أحداثه بطريقته الخاصة، وبرؤيته الخاصة، وبما يتوافق ومصالحه فقط. حتى نتعرف على ملامح هذه الحالة لنستذكر ما تم بعد يوم 14 فبراير من العام الجاري 2012، فبعد هذا اليوم صار المواطنون يتناقلون الأحداث التي تمت في مثل هذا اليوم قبل عام، أي توثيق لكل يوم من أيام الأحداث. واللافت أن هذه الحالة لا تنطبق فقط على المعارضة الراديكالية التي تحاول تعبئة جماهيرها من خلال تذكيرهم بالأحداث السابقة وتحفيزهم على صناعة غيرها، وإنما تشمل القوى السياسية الأخرى التي لا تتسم بالراديكالية.
النتيجة النهائية من هذه الظاهرة حالة الانشطار المتصاعدة التي لن تخدم أية محاولات للتخفيف من تداعيات الأزمة سواءً في الوقت الحالي، أو حتى مستقبلاً. ولتكون الصورة أكثر وضوحاً، فلو تم التوافق بين مختلف الأطراف على إجراء إصلاحات سياسية واسعة وتغييرات هيكلية في الدولة، فإنه من المستبعد جداً أن تتم بالشكل المطلوب بسبب حالة الانشطار داخل النظام السياسي، بل ستمثل مثل هذه الإصلاحات آليات جديدة لمزيد من الصراع السياسي الذي لن ينتهي قريباً.
- المعادلات..
^ أحداث طائفية متبادلة + توثيق الأحداث ونشرها = انتشار واسع في المجتمع = ارتفاع درجة الانشطار داخل النظام السياسي.
^ ارتفاع درجة الانشطار داخل النظام السياسي + إصلاحات سياسية واسعة = آليات جديدة ومبتكرة للصراع السياسي = زيادة حدة الصراع داخل النظام السياسي.