من المهم للكاتب الصحافي أن ينوِّع في كتابته، وأن يكون قريباً من الناس، وأن لا يسجن نفسه في قالب واحد، وأن يطرح همومهم وقضاياهم وكل ما يتعلق بمعيشتهم عبر مقالاته. إن القلوب أوعية كما ورد في الحديث، وهي تمل إذا تعاقبت عليها الأحداث والأحاديث، ومن هنا تبدأ في البحث عن متنفس آخر، يكون قريباً من وجعها وآلامها. السياسة، وبعد أكثر من عام وربع العام على أحداث البحرين، بدأ الناس يملون من سماع قصصها والتمعن في قضاياها، حتى أصبح الحديث في الشأن السياسي ينتج نفسه من خلال إنتاج الكاتب لنفسه أيضاً، ومن هنا بدأ جمهور القرَّاء يصاب بالغثيان والتشبع، جراء قراءته المتكررة كل يوم، لأخبار الفوضى والاحتراب، من المحيط إلى الخليج. التغيير في الكتابة لا يعد هروباً من الواقع، وإنما هو بمثابة استراحة المحارب والقارئ معاً، ولهذا لاحظتُ أنا شخصياً عبر الأشهر الأخيرة أن الناس في البحرين بدأت تنفر من قراءة الكتابات السياسية، لأن هنالك قسم آخر من الكتابات بدأ يختفي من صحفنا المحلية، وهي الكتابات التي تتعلق بمعيشة الناس وطريقة تفكيرهم واحتياجاتهم، هذا إذا كنَّا نؤمن كصحافيين بأهمية التنوع، وأن الحياة ليست كلها سياسة، بل هناك كثير من مصادر المعرفة أجبرتنا السياسة على إهمالها في هذه المرحلة من تاريخ الصحافة المحلية، حتى بدتْ وكأنها ليست من مطالب المجتمع الذي نعيش فيه، أو كأنها لا تهمه ولا يحتاجها. إن الكتابة في إطار المجتمع تعتبر من أفضل أنواع الكتابات وأصدقها وأقربها للناس، خصوصاً لكتَّاب الصحف اليومية. إن الكتابة الممزوجة بعرق المجتمع وتضحياته وهمومه ونواقصه واحتياجاته من أجل رفع مستوى وعيه ومعيشته، هي التي يطالب بها الكثير من المواطنين في البحرين، لا أن تكون الكتابة ذات لون واحد فقط، هي السياسة!!. من الممكن جداً للمختص في الشأن السياسي ولرواد العمل السياسي، أن يقرؤوا ما نكتبه نحن في المجالات السياسة المختلفة، لكن من الصعب إقناع الجائع مثلا أو الشخص الذي يُفتش عن وظيفة أو مسكن أن يقرأ كتاباتنا السياسية، فهي ليست من صلب همومه ولا ترقى لمستوى احتياجاته، ولهذا تراه في كثير من الأحيان، يبتعد عن قراءة الصحف لأنها لا تحاكي متطلباته. مشكلة بعض كتَّاب الأعمدة أنهم يعتقدون أن الكتابة فيما يخص المجتمع تعتبر في نظرهم أقل بكثير من مستواهم، ولهذا فإنهم يصرّون على الكتابة في المجال السياسي فقط، رغم قدرتهم على الكتابة في شتى المجالات الأخرى، وهذا يعتبر في الواقع نوع من أنواع الاستعلاء على واقع المجتمع. صحيح أن هنالك صنفاً من الكتَّاب المحليين تميل توجهاتهم وربما اختصاصاتهم نحو الجانب السياسي، لكن ليس من المعقول أن يستمر كتَّاب المقالات اليومية كافة بذات النفس وبذات السياق. ولهذا، ففي كثير من الأحيان، نجد أنهم استُهْلِكُوا سياسياً، لأنهم تشبَّعوا وأَشْبَعُوا، ومن هنا يأتي التغيير من باب كسر الجمود، والدخول إلى فضاءات أكثر رحابة من عالم السياسة. ستظل صحفنا محلية، تهتم بشؤون المجتمع والاقتصاد والسياسة، ولن تقتصر مجالات كتاباتها على الشأن السياسي، وإلا سوف تجد نفسها بعد الإصرار على تبني الكتابة في المنهج السياسي الصِرف، بأنها قَطَعَتْ نفسها عن المجتمع وعن قرائها على الصعيد الفعلي، ولربما تكون القطيعة الكبرى، على وزن الطامة الكبرى. «للحديث بقية»..