يقول الخبر إن سلطات السويد أجبرت مواطناً في جنوب البلاد على تغيير لوحة تسجيل سيارته لأنها تحمل «رقم الشيطان» الذي ذكر في سفر رؤيا يوحنا في العهد الجديد من الكتاب المقدس، ورقم الشيطان المذكور هنا هو «666»! غريب، إذ حتى الشيطان يمتلك رقماً، لا و»كشخة بعد»!
ما يسمى بأرقام الشؤم والنحس أفكار تم إدخالها بشكل قسري في أذهان الناس، خاصة في أزمان كانت في سياسة «تلجيم» الناس وراء رجال السطوة والنفوذ والدين هواية محببة، في إطار خلق أتباع لديهم «رهاب» معين، من خلاله تتم السيطرة عليهم ويحركون يمنة ويسرة.
في الغرب يتشاءمون من الرقم «13»، ولهذا الرقم عدة حكايات -أغلبكم يعرفها- أشهرها قصة «العشاء الأخير» للسيد المسيح، والتي جسدها الفنان ليوناردو دافينشي في لوحة شهيرة كانت وحياً للكثير من هذه «الهلاوس» التي زرعت في الناس، ووصلت لمرحلة إنتاج فيلم يسوده الغموض محوره اللوحة «شفرة دافينشي».
القصة الشهيرة تقول إن «حواريي» السيد المسيح (تلاميذه المقربين) عددهم 13 وأن صاحب الرقم الشهير حسب موقع جلوسه في اللوحة هو «يهوذا الاسخربوطي» الذي «خان» المسيح -بحسب الرواية- وسلمه لمن صلبوه (وما صلبوه ولكن شبه لهم) عبر إشارة اتفق عليها مع هؤلاء تمثلت بطبعه قبلة على وجه المسيح وسط الناس ليتعرفوا عليه.
في زمن سادت فيه سطوة رجال الدين الذين وصل بعضهم لمرحلة التحكم المطلق في البشر، كانت عملية الإرهاب النفسي للناس أداة التحكم في كل شيء، وبدأت عملية التأسيس للإيمان بالظواهر الخارقة والأرقام المشؤومة وقدرات الشيطان لتكون محركاً للناس الذين ينساقون وراء كل ذلك.
يقول مارتن لوثر كينج في تعليق له على هوس الأرقام المشؤومة بأن أكبر حاجات الإنسان هو أن يجعل نفسه فوق مستنقع الدعايات الكاذبة. فالأشخاص المصابون بالأمراض والضعف النفسي يستسلمون بسرعة إلى الخرافات، ويظلون في حالة قلق وخوف دائم، يخافون من يوم الثالث عشر من الشهر ومن القطة السوداء التي تضع يديها فوق بعض على شكل صليب.
هذا الرهاب واللعب في الأذهان انتشر بشكل غير طبيعي خاصة في المجتمعات الغربية وكعادة المجتمعات العربية «تطبعت» بذلك، وبات التفكير النمطي موحداً بأن هناك أرقام نحس لا يفترض أن يقربها أحد، متناسين بأن كل شيء في هذا الكون مكتوب ومقدر ولا علاقة له بأرقام ورموز وثوابت، لكنها الطبيعة البشرية القابلة للانسياق وراء أي وهم طالما أن العقل يوضع على وضعية «التعطيل».
في الولايات المتحدة على سبيل المثال يسود الرعب تماماً حينما يصادف الرقم «13» يوم جمعة، وصل هذا الرعب إلى وصف الأطباء النفسيين له بمرض اسمه «بارسكافيدكاتريافوبيا»، وبحسب ما نشرته صحيفة «نيويورك هيرالد» فإن 21 مليون شخص يعانون منه!
تخيلوا الرقم! وعلى ما يبدو أن هوس الناس بهذه الفكرة أصبح مادة دسمة لمنتجي الأفلام الهوليودية. طبعاً، تذكرون فيلم روب هيدن «الجمعة 13» الذي جسد فيه شخصية القاتل «فريدي» صاحب الأصابع المسننة.
بحسب الصحيفة الأمريكية، فإن علماء النفس يقولون إن الـ21 مليون شخصاً ينتابهم في هذا اليوم التوتر الخفيف والاضطراب والإحساس القوي بالتشاؤم وبعضهم لا يترك سريره أو يغادر منزله، بل بعضهم يقوم بطقوس غريبة في هذا اليوم!
ليست مبالغة، بل إن الشركات الأمريكية تخسر في هذا اليوم ما يقارب الـ750 مليون دولار لأن الناس لا تتسوق أو تسافر ولا أحد يفضل عقد الصفقات في هذا اليوم. وباتت المباني والفنادق وناطحات السحاب خالية مصاعدها من الرقم «13» ومن الطوابق التي تحمل هذا الرقم، ولا غرف في المستشفيات بهذا الرقم، ولا رحلات طيران تحمله أيضاً.
الرومان القدماء كانوا يعتبرون الرقم يمثل الشيطان، والاسكندنافيون يعقدون حبل المشنقة بـ13 عقدة، وجدار برلين بني في الثالث عشر من أغسطس عام 1961، بل بعضهم يقول إن آدم عليه السلام أكل التفاحة في يوم جمعة يصادف هذا التاريخ!!
هناك في المقابل من يضع له أرقام حظ يؤمن بها إيماناً غريباً، ويمحور حياته كلها حولها!
قد يقول البعض إنها طبيعة بشرية، تلك التي تتشبث بنظرية أو فكرة وتمضي للإيمان بها حتى تصبح شيئاً متأصلاً في حياة الناس، بيد أن إرجاع الأمور لأصلها سيوصلنا لحقيقة أن كثيراً من العادات وعمليات «التطبع» كان مصدرها بشر، وكانت أموراً جاءت لتحقيق أغراض وأهداف على رأسها أكبر هدف يسعى له كثير من أصحاب النفوذ والسطوة ومستغلي الأديان وهو التحكم بالبشر.
ابحثوا بين ظهرانيكم عن هذه الظواهر، عمن يؤمن بالخوارق، وعمن يمحور حياته على أمور مشابهة لأرقام النحس والحظ، ستجدون أموراً غريبة وعجيبة، ستجدون من يؤمن ببشر وكأنهم آلهة، من يصدق كل ما يقال له فقط لأن فلاناً قاله، أو علانا أمره.
الإنسان حينما يتخلى عن أهم قوة يمتلكها تتمثل بقوة الإرادة وإمعان التفكير والعقل يتحول إلى أداة طيعة يتم توجيهها وتحريكها واللعب فيها، بل قد يوصله ذلك إلى التهلكة وإلى التضحية بنفسه حتى من أجل فكرة أو هوس أو هدف يخدم أفراداً آخرين لا يخدمه هو على الإطلاق.
التأثير في الناس مسألة خطيرة، الإيجابي فيها حينما تؤثر فيهم بطريقة صحيحة «غير مرضية» تحقق لهم الصالح في حياتهم وتنير لهم دروبهم، لكن حينما تتحول إلى عملية أشبه بـ»التنويم المغناطيسي» حينها نرى في البشر من يتفوق حتى على قدرات الشيطان نفسه في عملية «الوسوسة» و»تضليل» البشر واستغلالهم.
عموما هناك في السويد أجبروا المواطن على «تغيير رقم الشيطان»، وهي بشرى سارة لمن يريد شراء الرقم باعتباره متاحاً الآن في السوق، لمن يريد أن تتماثل قدراته مع قدرات الشيطان في إغواء البشر وتحويلهم إلى «أداة طيعة» يلعب فيها كيفما يشاء.
نعوذ بالله العظيم من الوسواس الخناس، ونعوذ به أيضاً من شياطين البشر الذين تفوقوا على إبليس نفسه.