تحولت نظرية (ولاية الفقيه) في عهد الخميني إلى حزب سياسي بعد أن تولت زمام السلطة في إيران، وأخذت تعمل بطريقة الأحزاب الفاشية التي شهدتها الكثير من دول العالم، ولاسيما إيطاليا في عهد الجنرال (موسوليني)، فكان حزبه فاشياً قاد بلاده إلى الدخول في تحالف مع النازية التي تسببت في حرب عالمية أكلت الأخضر واليابس في أوروبا.

هكذا فعل حزب (ولاية الفقيه) الذي دخل في حرب ضروس مع العراق مدة ثمانية سنوات أدت إلى تدمير الاقتصاد الإيراني وخلفت ملايين القتلى والجرحى من الطرفين، ومازالت الشعوب الإيرانية تدفع ثمن جريمة تلك الحرب الحمقاء.

لم يكتف حزب ولاية الفقيه بشن الحرب على العراق وخلق التوترات الأمنية والسياسية في المنطقة وإلحاق الضرر البالغ بالمصالح الإيرانية في العالم فقط؛ بل إعلان الحرب على عدد كبير من المجتهدين الشيعة الكبار ومنهم على سبيل المثال لا الحصر السيد أبو القاسم الخوئي (ت 1413 هـ)، حيث بلغت الحرب ضده حد فصل مقلديه من الدوائر الحكومية في إيران وحرق مكتب ممثله في قم منتصف الثمانينيات، وذلك على اثر مخالفته لنظرية ولاية الفقيه. كما شنت الحوزة والحكومة الإيرانية حملة تشهير واسعة ضد المجتهد السيد محمد الشيرازي (ت 1422هـ) وفرضت عليه الإقامة الجبرية في منزله لمدة أكثر من عشرين عاما وسجنت عدداً من أبنائه وأنصاره، وذلك كله بسبب رأيه القائل بنظرية (شورى الفقهاء) بدلاً من نظرية ولاية الفقيه.

وهناك مجموعة أخرى من المجتهدين الشيعة تعرضوا للمحاربة وحملات التشهير بسبب آرائهم الجريئة؛ ومنهم السيد محمد حسين فضل الله، الذي أدى اجتهاده في مسألة تاريخية لم تثبت صحتها لديه كما قال (أكذوبة كسر ضلع الزهراء على يد الخليفة الثاني)، حيث كان رأيه في ذلك سبباً لكي يتعرض لحملة تشهير قادها بعض كبار ملالي حوزة قم وعلى رأسهم الشيخ جواد التبريزي الذي أفتى (بضلال) العلامة فضل الله.

لكن لماذا كل هذا التناقض بين القول بجواز الاجتهاد ومحاربة المجتهدين؟ ومن هو المحرض وما هي الدوافع التي وقفت وماتزال تقف وراء هذه المتناقضات التي أدت إلى هذا الصراع؟ من خلال متابعة سير الأحدث، يجد الباحث أن نتائج الاجتهاد الفقهي عند المدرسة الشيعية أصبحت مرهونة بالمصالح السلطوية والمنافع القومية للأنظمة الفارسية المتعاقبة (الصفوية القاجارية والبهلوية وأخيراً نظام ولاية الفقيه)، وأي اجتهاد يتعارض مع سياسة السلطة الإيرانية يتعرض صاحبه إلى أشد العقوبات مهما كانت الدرجة العلمية أو الثقافية أو السياسية لهذا المخالف أو ذاك، وهذا ما جرى مع مراجع كبار من أمثال الشيخ محمد طاهر الخاقاني الزعيم الوطني والديني للشعب الأحوازي ومع آية الله الكلبايكاني وآية الله حسين علي منتظري المنتظري.. وغيرهم من مراجع الشيعة.

لكن مما يؤسف له أن الذين تحركهم الأحاسيس العاطفية والنعرات الطائفية والثقافة الشعوبية العنصرية يحاولون القفز على هذه الحقائق ويندفعون من دون حكمة أو مسؤولية إنسانية كانت أو دينية أو وطنية للدفاع عن النظام الإيراني الظالم وحوزته المتشبعة بأفكار الحركة الشعوبية، ومرتكبته هذه الحوزة من مظالم بحق المرجعيات الشيعية قبل غيرهم.

إن ما قام به حزب (ولاية الفقيه) من أعمال فكرية وسياسية خلال العقود الثالثة الماضية من تسلمه السلطة في إيران لم تكن أبعد من هرطقة مزدكية ومانوية وكسروية، والذين يتبعون هذا الحزب الفاشي في المنطقة هم نوعان؛ إما جاهل بأصول الفكر العقيدة الشيعية، وإما معادٍ لوطنه ومنتفع على حساب الشعارات الطائفية.