«هناك خطر بأن تتفكك منطقة اليورو وهذا الخطر في ازدياد» كان ذلك تقويم رئيس مجلس إدارة شركة الاستثمارات الصينية (CIC)، الصندوق السيادي التابع للحكومة الصينية، لو جيوي في مقابلة أجرتها معه مؤخراً صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية لأسواق اليورو إثر قرار الشركة بخفض «استثماراتها في الأسهم والسندات الأوروبية خوفاً من احتمال انهيار منطقة اليورو على خلفية أزمة الديون».
جاءت هذه الخطوة الصينية المتعقلة المسؤولة وسط عواصف الأزمات المالية الحالية التي تعصف بدول اليورو، وفي أعقاب الاجتماع الطارئ الذي عقده المسؤولون الماليون في دول مجموعة السبع الصناعية الكبرى لمناقشة أزمة ديون منطقة اليورو، وبعد الكشف عن «بيانات جديدة أظهرت أن نشاط القطاع الخاص في دول اليورو، بما فيها ألمانيا، تراجع في مايو، ما زاد الشكوك حول اقتصادات أوروبا». وكما يلوح في الأفق، فإن دول مجموعة السبع من خارج منطقة اليورو، تخشى هي الأخرى «أن يؤدي فشل أوروبا في معالجة أزمتها إلى الإضرار بفرص تعافي الاقتصاد العالمي»، خاصة بعد أن أصدر صندوق النقد الدولي تقريراً أكد فيه «أن المصارف الإسبانية (وحدها) تحتاج لتمويل يبلغ أربعين مليار يورو على الأقل لمواجهة تدهور جديد في الاقتصاد». بل إن مسؤولة في هذه الهيئة المالية الدولية، حذرت من «أن المصارف ستحتاج إلى مبالغ أكبر على الأرجح لضمان قدرتها على مواجهة أسوأ السيناريوهات، أي تراجع نمو الاقتصاد الإسباني بنسبة 4 بالمائة هذه السنة».
الغريب في الأمر إصرار الاستثمارات العربية على الاستمرار في البقاء بل والنمو في تلك الأسواق، رغم قرع مؤسسات مثل البنك الدولي، ودول مجموعة السبع، كما أشرنا نواقيس الخطر منذرة بعواقب وخيمة تتربص بتلك الاستثمارت في حال بقائها في تلك الأسواق المهددة بالانهيار، وعدم إنصاتها، حتى لتلك الأصوات العربية المسؤولة أمثال نائب رئيس الوزراء الأردني الأسبق جواد العناني والخبير الاقتصادي الدولي نصير الحمود، اللذين أفصحا «عن اعتقادهما بأن الاستثمارات العربية في فرنسا والقارة الأوروبية قد تتأثر جراء تخفيض وكالة (ستاندرد آند بورز) للتصنيف الائتماني لفرنسا وعدد من الدول الأوروبية الأخرى».
على نحو مواز أيضاً، حذر الخبير الاقتصادي العربي طلال أبوغزالة من مخاطر تداعيات الأزمة الغربية الآخذة في التحول من مجرد أزمة مالية سطحية محصورة إلى أزمة اقتصادية واسعة وعميقة، «وانتقالها من القطاع الخاص إلى الحكومات في الاقتصادات الغربية المتقدمة»، مولدة من خلال هذا التحول «مشكلتين رئيستين هما العجز في الموازنة الذي يعد من أهم المخاطر على الدول عندما تصبح الإيرادات أقل من المصروفات وتغدو الحكومات مضطرة إما إلى تقليص الخدمات التي تقدمها للمجتمع لخفض النفقات أو أن تلجأ إلى تمويل العجز بالاستدانة، وهنا تدخل في المشكلة الثانية وهي الدين العام الذي يعمق العجز نتيجة لنفقات خدمة الدين، وقد كانت المعايير العالمية تحدد نسبة 3% من الناتج القومي كحد أقصى لعجز الموازنة و60% من الناتج القومي كسقف للدين العام، والواقع أن كل الدول الغربية قد تجاوزت الآن هذه النسب بمعدلات متفاوتة».
ولا يعتبر دخول الاستثمارت العربية ولا ضخامة حجمها شيئاً طارئاً، مصدره حاجة تلك الأسواق إلى مساعدات نقدية سائلة تعينها على الحد من تدهور أوضاعها، ففي مطلع العام 2005، وقبل اندلاع نيران الأزمة العقارية في الولايات المتحدة، وانتقالها إلى أوروبا، أشارت صحيفة الفانينشال تايمز اللندنية حينها إلى أن «الاستثمارات العربية خلال الأربع شهور الأولى من عام 2005 تفوق ما استثمر خلال عام 2004 كاملاً. حيث بلغت استثمارات الربع الأول من العام الحالي 2.5 مليار دولار بينما بلغت استثمارات عام 2004 لطيلة العام 2.35 مليار دولار».
ولم تتغير الصورة منذ ذلك الحين، إذ يقدر بيان هاني حرب، في ورقته المعنونة «دور القطاع الخاص في دعم التشغيل وتنمية الموارد البشرية في الوطن العربي» التي قدمها للمنتدى العربي «حــول الدور الجديد للقطاع الخاص في التنمية والتشغيل»، المنعقد في الرباط / المملكة المغربية، 21 – 23 أكتوبر 2008، تلك الاستثمارات العربية في الخارج بما يتراوح بين «800 - 2400 مليار دولار»، يتركز معظمها، كما جاء في الورقة في «في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية. ففي أوروبا تحتل سويسرا وبريطانيا وفرنسا المركز الأول بين الدول الغربية الجاذبة لهذه الاستثمارات، ثم تأتي الولايات المتحدة الأمريكية بعد ذلك».
السلبيات الكامنة المزدوجة في هجرة تلك الاستثمارات العربية إلى الأسواق كونها، بالإضافة إلى تعرضها إلى المخاطر الناجمة عن تلك الأزمات، تهمل الحاجات الضرورية الأساسية الداخلية التي بحاجة ماسة إلى تلك الأموال، إذ تقدر بعض المصادر حاجة «الدول العربية إلى 50 مليار دولار بنية تحتية، وفي مجال الاتصالات تحتاج إلى 90 مليار دولار خلال السنوات العشرة القادمة حتى تكون قادرة على جذب الاستثمارات الخارجية». وهذه الأخيرة، تعترف تقارير عربية رسمية بأن «العالم العربي أقل مناطق العالم جذباً للاستثمار وأكثرها طرداً له إذ لا تتجاوز حصته من الاستثمارات الأجنبية الخارجية المباشرة 9.5 مليارات دولار من جملة الاستثمارات العالمية البالغة 865 ملياراً أي أن نسبتها لا تتعدى 1%. بل تحذر تقارير أخرى من تراكم «ديون العالم العربي حتى بلغت 560 مليار دولار ما بين خارجية وداخلي».
في السياق ذاته، أعلن رئيس برنامج الخليج العربي للتنمية «أجفند» الأمير طلال بن عبدالعزيز، «أن عدد الفقراء في العالم العربي يقدر بحوالي 70 مليون فقير»، مضيفاً خلال الحوار المفتوح مع نادي الاقتصادية الصحفي «أن عدد سكان الوطن العربي (22 دولة) يقدر بحوالي 351 مليون نسمة، 19.7 منهم يعيشون تحت خط الفقر، أن المؤهلين منهم للحصول على خدمات مالية يقدر بقرابة 35 مليون فقير منهم 3 ملايين فقط تمكنوا من الحصول على خدمات مالية» الأمر الذي يعني، كما يتحدث الأمير طلال «أن حجم الطلب على سوق الإقراض يبلغ حالياً 18 27 مليار دولار بينما يعادل المغطى منه 1.5 2 مليار مما يشير إلى عدم وجدود بنوك ومؤسسات كافية لتغطية سوق الإقراض».
ولا يلوح في الأفق ما يبشر بالخير، فبالإضافة إلى مؤشرات تنذر بتراجع أسعار برميل النفط إلى ما دون المائة دولار، ضاعفت الأحداث الأخيرة التي عصفت بالمنطقة العربية منذ أواخر العام 2010، من تردي الأوضاع الاقتصادية العربية، التي خسرت أسواقها، جراء تلك الأحداث، كما يؤكد الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، رئيس قطاع الشؤون الاقتصادية محمد بن إبراهيم التويجري «ما يعادل 120 مليار دولار كنتيجة مباشرة للتظاهرات والاحتجاجات التي حدثت في بعض الدول العربية»، لكنه عاد كي يوضح «أن الفقر والاستبداد والاحتكار كانت كلها عوامل مهمة ساهمت بانتفاضة تلك الشعوب».
باختصار، البلدان العربية التي مايزال الفقر والجوع ينهشان شعوبها، تتجول في أسواق الغرب التي عرت الأزمة المالية هشاشة أوضاعها، ويلوح في الأفق احتمال انهيارها القريب.