أكدنا بالأمس على أن الكتابة في إطار المجتمع تعتبر من أفضل أنواع الكتابات وأصدقها وأقربها للناس، كما إن تنوع كتابات الكاتب الصحافي، وبالأخص كاتب المقال، يضفي جودة أخرى على الصحافة لاعتبار أنها الحلقة الأقوى بين السلطة والجمهور. إن تبني ملفات المواطنين ومعيشتهم هو من أهم ما يمكن أن يقع على عاتق الصحافي من مسؤولية تجاه مجتمعه، فليست السياسة كل شيء، بل هي شيء من أشياء الناس وهمومهم وتطلعاتهم، وربما عند كثير من الطبقات المجتمعية تعتبر السياسة لا شيء، فلا تمثل لها أي اهتمام أو حتى حرص منها على متابعتها. إن فوائد الكتابة في المجالات غير السياسية، إضافة لما ذكرناه بالأمس، هي أكثر من أن تحصى. إن انشغال الجمهور بالشأن السياسي في كل أوقاته يجعله جمهوراً متوتراً للغاية، ومن هنا تكون الكتابة في الشؤون الأخرى، على صعيد الصحافة المحلية، مدعاة لتخفيف شدة حالات الاحتقان المجتمعي، فتصرفهم عن بؤر المناوشات والمصادمات والمشاحنات إلى فضاءات أكثر وعياً بالحاضر والمستقبل، فتخرجهم من سجن السياسة إلى حريات أكبر منها بكثير. من حسنات الكتابة المتنوعة، خصوصاً تلك التي تعني بتطوير واقع الناس ومستقبلهم، تجعلهم يقتربون من بعضهم البعض، وذلك عبر طرح الهموم المشتركة بين أبناء المجتمع الواحد، وحينها لا تكون السياسة هي المشترك، بل يكون واقع المجتمع واشتراك طبقاته المختلفة هو الرافد الحقيقي لتطلعاتهم وتجسير رؤيتهم نحو المستقبل، وحينها تظل السياسة محاصرة عند حدود دنيا، أو في كونها لا تتجاوز الجرعات التي لا تؤذي واقع المجتمع. في ظل أي حدث سياسي كبير، نجد أن الجمهور عادة ما ينشغل بالسياسة ولربما يشتغل بها أيضاً، خصوصاً حين يجد المحفزات فاقعة عبر وسائل الإعلام، تشجِّعه على تبني محاور رئيسة في عالم السياسة، ومن هنا تأتي الكتابة في إطار المجتمع، لتحدَّ من درجات التشنج والتصلب، فتصرف الناس عن الانشغال بها من دون طائل يذكر، إلى جهات أخرى، أكثر صفاء من السياسة، حيث الاهتمام بشؤونهم وقضاياهم. في حالات الاحتقان السياسي، يجب أن يكون التركيز من قِبل الكاتب الصحافي على القضايا المشتركة التي تعني بشؤون العباد، والكتابة فيما يخصني ويخصك ويخصهم، أما بقية القضايا التي تمثل جدلاً واسعاً في أوساط المجتمع، فإن طرحها في غير حينها تعتبر عيباً شنيعاً، لأننا نكون بمثابة من يعالج النار بالنار. نحن لسنا ضد الطرح السياسي بالمطلق، ولسنا ضد الكاتب الذي يتبنى موقفاً عادلاً وصريحاً، حتى ولو كان ثقيلاً، بل نحن ضد عدم التنوع في الطرح، والذي يبعد الناس عن بقية همومهم ومشاكلهم وقضاياهم. تكلموا في السياسة كما يحلوا لكم، لكن هناك من القضايا الأخرى الموازية لها، لا يمكن إهمالها وعدم تناولها، فكما إن للمجتمع هموم سياسية لا نختلف عليها، فإن له في المقابل أضعافها من الهموم المعيشية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية والتعليمية. من المهم ألا يطغى أي جانب من جوانب الحياة على حساب الجوانب الأخرى، في عموميات طرح الكاتب الصحافي، وإلا سيظل المجتمع يسير بطريقة عرجاء، خلاف الأواني المستطرقة.