منذ أنْ فشل انقلابهم تغيَّر الخطاب، وبات من قال في وجه الشرفاء «ارحلوا» و»نحن الباقون وأنتم الخارجون» يتحدث اليوم بلغة «التوسل»، يريد من الدولة أنْ تسامح وتعفو وتصفح عمن طعنها في ظهرها، وعمن حارب المخلصين من أبنائها.
ظهرت علينا شخصيات كان لها دور في الخيانة، كان لها دور في دعم التجمع الانقلابي في موقع الدوار بالمال والعتاد، ظهرت علينا لتقود حملات «زائفة» باتجاه ما أسمته التعايش والمصالحة واللحمة الوطنية، وكان سؤالنا لهم حينها: أين كنتم حينما عانت البلد من تحرك طائفي انقلابي؟! وأين كنتم حينما استهدفت المكوِّنات الأخرى الموالية لتراب أرضها؟! وأين كنتم حينما احتل مستشفى السلمانية وحينما ارتكبت الجرائم الشنيعة بحق الطلبة الأبرياء في الجامعة؟!
كنتم تقودون كل ذلك وتساهمون فيه والفرح يملأ قلوبكم، فالمؤشرات كانت تقود لتحقيق حلمكم بإسقاط الدولة البحرينية.
سأبرر لكل هؤلاء محاولاتهم الحثيثة منذ إعلان حالة السلامة الوطنية إلى اليوم في اتجاه «محو» الفكرة التي ترسَّخت في أذهان المخلصين من أبناء هذه الأرض، وهي فكرة «الخيانة»، والقناعة بأنَّ هناك من شخصيات سياسية وتجار ومهنيين وأفراد أعلنوا بصراحة «انقلابهم» على الدولة وعلى رموز الحكم. سأبرر لهم وفق اعتبارات «الحرب كر وفر».
الخيانة وطعنات الغدر من الصعب نسيانها، والشيء الذي تكسَّر لا يمكن تصليحه بحيث يعود مثلما كان، يمكن ترميمه لكن آثار الكسر تظلُّ باقية.
لكن التبرير لا يمكن إيجاده حينما تأتي الدولة بنفسها لتنشئ كياناً أو تجمعاً باسم المصالحة، يوضع له شعار عام لا نعرف تماماً ما يهدف إليه.
حينما تقول لي دولتي تصالح، فإنه من حقي أنْ أعرف مع من تريدني أن أتصالح، ومن هم المستحقون للدخول في مصالحة معهم.
المصالحة تتم بين أفراد متخاصمين، تتم لأن هناك تبايناً في المواقف والآراء، يفترض أنه ناتج عن اختلاف لا يفسد للود قضية، أحدث هذا الاختلاف قطيعة نتج عنها تضرر المجتمع، بالتالي المصلحة العامة تفرض مصالحة الخصوم بالتي هي أحسن.
هذا النوع من المصالحة مفهوم، لكن ما هو عسير على الهضم، وعصيب على الفهم هو كيفية التصالح مع من خان البلد، ومن طعن الآخرين في ظهورهم، ومن شتم القادة والرموز، ومن أثبت أنَّ ولاءه للخارج، ومن مازال يخرج ليحرق ويرهب ويخرِّب ويشوِّه صورة بلده ليلاً ونهاراً.
صعب على الدولة أنْ تطالب المخلصين الذين وقفوا سداً منيعاً لحماية كيانها، وللذود عن رموزهم بالتصالح مع من خان البلد ومن تطاول على الرموز.
لا يمكن أبداً مطالبة الضحية بأنْ تمد يدها مجدداً للجاني، أنْ تقبل بمدِّ يدها المضرجة بالدماء لتلامس يد قاتلها، الذي مازال القانون بمنأى عن التطبيق بشأن ما اقترفه من جرم.
فهِّمونا ماذا تعنون بالمصالحة هنا.
هل يعني أننا يجب أنْ نتصالح مع من قال لكم «ارحلوا»؟!
هل يعني ذلك أنْ نتصالح ونسامح من نصب المشانق لرموزنا وتطاول عليهم باللفظ والفعل؟!
هل يعني ذلك أن نتصالح مع من انتقص من قدر قادة البلد في كل موقف، حتى المواقف الإنسانية استغلها ليسيئ لرموزنا، أهؤلاء نتصالح معهم؟!
من يهاجمك ويريد طردك من بلدك ويقول لك ولقادتك بأن «ارحل»، هل هؤلاء مطلوب علينا أنْ نتصالح معهم؟!
من يظن بأنَّ مثل هذه الخطوات من شأنها «رأب الصدع» ومن شأنها إعادة البحرين لما كانت عليه، وأنها ستكون كفيلة بمنع أية محاولة انقلابية قادمة، فإننا نذكره فقط بقول أمين عام حزب الله البحريني حين قال لهم «تحلمون»!
يقول رسولنا الكريم: «لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين»، وفي بلدنا نلتفت يمنة ويسرة ونرى المواقف المتوالية بتوالي الأيام، فنكتشف أنَّ المؤمن لدينا بات يلدغ من الجحر نفسه أكثر من مرة، ورغم كثرة «اللدغ» ورغم تعدد الضربات الغادرة في الظهر لا نرى في المقابل إلا خطوات تفرض على الضحية واجب استرضاء المجرم.
لا كيان واحد ولا ألف كيان يرفع شعارات المصالحة مع من خان البحرين سيحل الوضع المتأزم اليوم، هو حلّ واحد تعرفونه تماماً، وتعب المخلصون والناس من ترديده وتكراره.
نعيد قولها للمرة الألف: دولة لا تطبق القانون ليست بدولة. عطلوا القانون واركضوا باتجاه مصالحة الخائن، وانتظروا بعدها محاولة انقلابية جديدة.
{{ article.visit_count }}