مازال الموقوفون على ذمة الأحداث الأخيرة التي وقعت في فبراير ومارس يطلقون على أنفسهم وصف معتقلي رأي، وهذا تدليس وكذب وافتراء وتهرب من المسؤولية الجنائية، وتبرؤ ممن ارتكبها وتخلى عنهم.
وللرد على مقولة الموقوفين على ذمة محاولة تغيير الدستور بالقوة وبالعنف، نذكرهم أن آراءهم لم تكن أبداً سبباً في توقيفهم وذلك بأنهم ظلوا يعبرون عن تلك الآراء أكثر من عشر سنوات داخل البحرين وهم ينعمون بحريتهم الكاملة دون أية مضايقات، ولم يلق القبض عليهم أو يوقفوا ولم توجه لهم أية اتهامات.
بل كانوا يعملون ويسافرون ويتنقلون، والأكثر من هذا كانوا يحصلون على صفقات وعقود تجارية من خلال شركاتهم الخاصة بعقود مع الحكومة.
كانوا يعيشون ويعملون ويتاجرون بمستوى معيشي أكثر من جيد وفوق المتوسط، ويعلمون أبناءهم وبناتهم وفي المدارس الخاصة، وكانوا يرشحون أنفسهم للانتخابات ويصدرون النشرات ويصرحون للفضائيات لأكثر من أحد عشر عاماً، وآراؤهم كانت هي ذاتها ولم يمسهم أحد.
عقدوا المؤتمرات داخل البحرين واستضافوا الضيوف وناقشوا آراءهم؛ بل مولت الحكومة بعض مؤتمراتهم التي ناقشوا فيها ذات الآراء المناهضة للدستور وللإصلاحات والتي قيلت هي ذاتها في فبراير ومارس من العام الماضي، واستقبلتهم القيادة وخرجوا من البحرين وعادوا لها ومارسوا حياتهم الطبيعية وهم يرددون نفس الآراء حول الدستور وحول الإصلاح وحول الفساد من عام 2000 إلى 2011.
فهل كان هناك (صمخ) حكومي لإحدى عشرة سنة، وفجأة انفتحت السدادة في فبراير ومارس من العام الماضي، وسمعت الحكومة أو السلطة أو القيادة رأيكم فقررت القبض عليكم؟!
الفارق الذي تعرفونه ونعرفه، سواء استطاعت النيابة العثور فيه على دليل مادي أم لم تعثر، الفارق حراككم في فبراير ومارس 2011 لم يكن خارج سياق أحداث العنف ولم يكن معزولاً عنه، فقد كنتم في الدوار تشهدون وتسمعون الحرق والتخريب وقطع الطرق والاعتداء على الناس وفي المستشفى وفي الجامعة وفي المدارس ومنع الناس بالقوة من دخول المباني الحكومية واختطاف رجال أمن والاعتداء على المارة، باختصار كانت البلاد في حالة فوضى واستشرى العنف، والدعوة لإسقاط النظام كانت مرفوعة فوق رؤوسكم علقت وأنتم شهود عليها، وكنتم قادة لحراك الدوار هناك.
لا يمكن أن يخرج التعبير في خطابكم خارج سياق تلك الأحداث، هذا هو الفارق بين أحد عشر عاماً تقولون الرأي ولا يمسكم أحد، وحين قلتموه في شهري فبراير ومارس قبض عليكم.
هذا هو الفارق الذي أعرفه وتعرفونه، وحتى لو لم تعثر النيابة العامة على صلة مباشرة بينكم وبين من قام بالقتل والدهس والحرق والخطف والاعتداء على الناس؛ فإن الكل يعلم أن من قام بتلك الأحداث قام بها تلبية لزعاماته وقادته، وقام بما قام به تحقيقاً لدعوتكم، وبعضهم اليوم يواجه أحكاماً بالإعدام لإزهاقه أرواحاً بشرية، فهل اليوم تتخلون عنهم وتتركونهم يواجهون الموت وتتبرؤون من أفعالهم؟
ألم تمشوا كالطواويس بين جمهوركم وتنتشون فرحاً حين يرفعونكم على الأعناق والأكتاف.
اليوم حين تريدون تبرئة أنفسكم من تلك الجرائم وتريدون عزلها عن خطابكم، تقولون إننا قلنا إصلاح الدستور فقط، ولا علاقة لنا بأية جريمة وقعت في تلك الأثناء، أي أنكم الآن تقولون إننا نتبرأ من جرائم القتل والحرق والخطف والتخريب التي حدثت ومازالت تحدث حين تعزلون خطابكم عن تلك الممارسات الجنائية الخطيرة، فإن ذلك يعني أنكم تتخلون عن من قدم أرواحه فداء لكم، إنكم تتركونهم يواجهون عقوبات مغلظة تصل إلى الإعدام وتتخلون عنهم وتدعون أن من حملكم على الأكتاف وسار بكم الهوينة داخل الدوار وصفق لكم فوق المنصة لم يفهمكم، وأنكم لا يمكن أن تقصدوا أن توجهوهم لدهس وقتل وخطف رجال الأمن أو المدنيين، فهل هذا موقفكم النهائي؟!
خلاصة القول لسنا معنيين بالبحث عن الأدلة الجنائية؛ فتلك وظيفة النيابة العامة وأجهزة الضبط، كما إننا لم نفاجأ بتخليكم عن من ارتكب الجرائم باسمكم، فذلك ديدنكم، وكذلك لا نتفق ولا نؤيد البصق والصفع والشتم الذي يمارس ضدكم في محابس توقيفكم إلى حين صدور الأحكام ضدكم أو معكم، وسنحترم القضاء وأحكامه، ولسنا معنيين بتخليكم عن من ارتكب جرائم القتل والحرق والخطف، نحن معنيين بالمشهد الذي لم يمح من ذاكرتنا بعد ولن يمحى أبداً، وهو ضلوعكم بقتل كل من كان خارج الدوار.
فأنتم قادة (يسقط النظام)، وأنتم قادة (ارحلوا)، وأنتم قادة (قائمة العار)، وأنتم قادة (مشانق الدوار)، وأنتم قادة (أحداث السلمانية)، وأنتم قادة (الاعتداء على الجامعة)، وأنتم قادة (قطع الطرق)، وأنتم قادة (العصيان المدني)، وأنتم قادة (دهس المريسي وكاشف وزهرة والظفيري والمعمري ورانيا وعبدالله وكثيرون غيرهم)، فإن تبرأتم من مرتكبي هذه الجرائم الآن فإن التاريخ والمشهد الحي سيظل محتفظاً لكم بصورة تجمعكم وإياهم.