الأفكار البسيطة تصل إلى القلوب وتؤدي أدوارها المرسومة، والفكرة بسيطة جداً رغم قيمتها العظيمة، غطاء سرير من الحجم الكبير أعتقد أنه من الصوف -بحسب الصورة التي اطلعت عليها- مرتب وألوانه جميلة، حاكته سيدة بحرينية واستعانت على طول ومشقة ساعات حياكته بذكر الله والتسبيح والتهليل وهي تصارع واحدة من أكثر معارك الإنسان ضراوة، المعركة ضد السرطان؛ بل أكثر من معركة مع السرطان، وصار هذا العمل اليدوي الجميل رمزاً لمعاناتها ولمعاناة كثير من المرضى يصل تعدادهم للمئات سنوياً في البحرين وحدها، وهو أيضاً رمز حملة تبناها الناشط خالد الخياط لبيع الملحف لأعلى سعر ولقيت صدى واسعاً في وسائل الاتصال الاجتماعي، وسماه “ملحف الخير” لتتنامى وتتسع بهذا الاسم حملة كمزاد لصالح مرضى السرطان ستستمر على مدى أسبوعين ونأمل أن تلقى الصدى المطلوب. الأمر ليس بجديد على الخياط صاحب المبادرات الإنسانية لكنها فكرة قد تكون ذات صدى وقبول في الأوساط التطوعية والأشخاص الذين اعتادوا وعودوا غيرهم على أن تكون يدهم ممدودة، لكنها كفكرة عامة لم تصل لتكون ثقافة حقيقية في مجتمعنا، فبعضنا يرى أنه ليس مطالباً بالعطاء وينتظر العطاء من غيره وينسى أن المائة فلس تحدث فرقاً لو كانت على مستوى جماعي، والبعض يرى أن الحكومة مسؤولة عن المرضى والمحتاجين خاصة والمال العام يذهب إلى حيث لا يجب أن يكون في أحيان كثيرة، والبعض يقول أين أذهب بالصدقات والمساعدات مشككاً في المؤسسات التي تتعامل بهذا الشأن، واسمحوا لي كل هذه حجج واهية فهناك أناس يموتون في انتظار طوابير العلاج ويجب أن نبحث عنهم ونجدهم ونقدم لهم العون ونكون مبادرين لا مبررين ولا متقاعسين. السؤال الأول الذي جال بخاطري عندما قرأت تغريدات الخياط على تويتر عن ملحف الخير هو: من يمرض بالسرطان؟ هل هم كلهم مقتدرون يملكون إمكانات العلاج أو السبل السريعة للسفر للخارج على حساب الدولة؟، بالطبع لا فهناك حالات لا تحصى من البشر ممن يدبرون ميزانية الشهر بصعوبة وإصابتهم بهذا المرض تعني لهم معاناة تفوق طاقتهم، فكروا فقط أن البعض لا يملك مواصلات للذهاب لجلسات العلاج، ولو لزم علاجاً بالخارج أو علاجاً محلياً أكثر راحة فنحن نتكلم عن حساب مفتوح، فكروا فقط في مَن راتبه بالكاد يكفي متطلباته وأعباءه فكيف به يواجه مرضاً خطيراً مكلفاً وقد يتمكن منه أيضاً ويحول بينه وبين طلب رزقه. لو أننا مجتمع متكافل فعلاً هل كان المرضى سيتألمون وحدهم؟ لو أن كل واحد منا يفكر في شيء من ماله كمنحة حياة -بإذن الله- تهدى لمريض هل كان المرضى سيتسولون؟ لو أن لدى المقتدرين إحساساً بالمسؤولية تجاه المبتلى بالمرض، خاصة ومبلغ العلاج في معظم الأحيان يكون بالنسبة لبعض الناس عندنا مجرد “خردة” في قاع محفظته قد ينسى وجودها أصلاً، العشرة آلاف لا تساوي شيئاً في بعض الثروات الموجودة في بلدنا، وهي مسألة حياة أو موت لأشخاص ممن يعيشون على الهامش مشكلاتهم أكبر من أن يحلها دعم هنا ومساعدة هناك، يتحملون أي معاملة كانت أو تشخيص خاطئ أو إهمال طبي والإجراءات والمواعيد البعيدة ولا يشتكون لأن العالم يحتضن من يملك ويدفع -حتى في العلاج- وبلدنا ليس استثناء. حملة “ملحف الخير” هي مزاد خيري يبدأ من خمسة آلاف دينار لصالح مرضى السرطان الفقراء ونأمل أن يحصد اهتماماً والتفاتاً وتشجيعاً، أعتقد أن مجتمعنا يملك إمكانات لينجز في مجال التطوع والعمل الخيري ويبدع فيه، لكنه يحتاج إلى أن يتوقف عن التبذير في تفاهات ومظاهر ورعاية حفلات ويتعلم ويثقف نفسه في كيف ومتى ينفق وأين المحتاج وكيف يصل إليه وبماذا يساعده، والكلام موجه بالذات إلى المقتدرين ورجال الأعمال وأصحاب الملايين والمليارات الله يزيدهم، صدقوني سنجني أكثر مما نتخيل من فوائد وسننظر لتبذيرنا وكأنه جاهلية أفقنا منها، مبادرة “ملحف الخير” فرصة لمشاركة مرضى السرطان في محنة إنسانية حقيقية ورفع شيء من معاناتهم والتواصل مع حياتهم وجعلها أفضل، لذا نتمنى الدعم من الجميع لهذه المبادرة والمزيد من هذه المبادرات الطيبة.