يرى جوناثان هايت، أستاذ علم النفس الاجتماعي بجامعة فيرجينيا الأمريكية، ومؤلِّف كتاب “المنطق السليم: ما الذي يجعل السياسة والدين يزرعان بذور الفرقة بين الناس الطيِّبين؟”، أن الناس بطبيعتهم يعتمدون في تفكيرهم على الحدس أكثر مما يستخدمون ملكاتهم الذهنية، وهذا يفسِّر مثلاً لماذا يصوِّت العامل الأمريكي لحزب المحافظين “الجمهوريين”؛ ولهذا السبب يعتقد هايت أن الطريق إلى إقناع الآخرين يمّر من خلال مراعاة عواطفهم، فالسياسة ليست فقط أن تكون قادراً على التحكّم في الناس الذين يختلفون معك في الرأي بل أن تتعلّم منهم أيضاً. ورداً على السؤال الذي يسألُه كثير من الناس في ميدان السياسة “لماذا لا يستمع الطرف الآخر إلى صوت العقل؟”، يجيب هايت قائلاً: “نحن لسنا مهيّئين مطلقاً إلى الاستماع لنداء العقل، فحينما تتوجّه إلى الناس بأسئلة تدور حول الأخلاق، وتحسب زمن استجاباتهم لها وتقوم بمسح أدمغتهم، فإنك ستجد أن أنماط استجاباتهم وتنشيط قواهم العقلية تشير إلى أنهم يتوصّلون إلى استنتاجاتٍ سريعةٍ، ثم يستحضرون أسباباً كي يبرِّروا بواسطتها ما قرّروه سلفاً”، حيث أبرزت نتائج المقابلات النفسية التي أُجريت مع بعض الناس بشأن السلوكيّات الشاذة “أكل لحم الدجاج الميِّت مثلاً” أنهم يُجمِعون على أنها خاطئة، لكنهم لا يستطيعون توضيح السبب. المشكلة هنا لا تكمن في أن الناس غير قادرين على الإقناع، فهم قادرون بالفعل، إلا أن حِجَجَهم تستهدف دعم استنتاجاتهم، وليس استنتاجات مُحاوِرهم أو الشخص الذي يستمع إليهم، فالعقل لا يعمل في هذه الحالة على غرار القاضي الذي يزن الأدِّلة ويوجِّهنا صوب الحكمة دون تحيِّز، بل يعمل كالمحامي الذي يبرِّر تصّرفاتنا للآخرين، وقد وجد هايت أن الناس يقدِّمون الذرائع المختلفة لتبرير زواج المثليِّين مثلاً رغم محاولات المستجوِب الحثيثة لدحضها. وفي مسعى لشرح هذا الإصرار الغريب، يفترض هايت أن البشر يتنافسون من أجل المركز الاجتماعي، والميزة الأساسية في هذا الصراع تكمن في القدرة على التأثير في الآخرين، فإذا كنت تنوي تغيير الناس لا تخاطب عقولهم بل خاطب حدسهم الذي يدافع العقل عن استنتاجاته