الأزمة “لخبطت” العديد من الأوراق، فوجئت الدولة والمخلصون من مواطنيها، في حين سقطت أقنعة، واكتشفنا من يسهل عليه بيع تراب وطنه ويخونها ويشوه صورتها في الخارج والداخل. كل ما حصل لا يفترض بأي حال من الأحوال أن يمر مرور الكرام وكأن شيئاً لم يكن. ندرك تماماً بأن النسيان نعمة، لكنه يتحول نقمة في أحيان أخرى، خاصة إن كان يستدعي النسيان ترك الأمور على الغارب مجدداً، ومنح مساحة تحرك لمن يضمر الشر حتى يلملم صفوفه ويعاود الضرب مرة أخرى. نتحدث عن مبادرات هنا وهناك، نسمع عن تحركات لرأب الصدع المجتمعي، وجهود لإعادة اللحمة إلى غيرها من المساعي، لكن الفيصل في كل هذه الأمور مرتبط بالأطراف المعنية وما إذا كانت هذه الجهود والمساعي ستفضي لنتيجة مطلوبة وهي إعادة البحرين لما كانت عليه سابقاً، أما إن ظلت جهات تمارس نفس ممارستها ولديها نفس النوايا التي نجزم بأنها لن تتغير فإن كل ذلك سيكون هباء منثوراً. سألنا في السابق عمن يفترض به السعي لتحقيق المصالحة، ومن المطلوب منه أصلاً أن يتصالح مع البقية، وكلنا نعرف الجواب. اليوم نسأل عن الجهة المعنية بتقديم المبادرات، ومن أصلاً يلزمها وضعها وموقع إعرابها مما حصل على تقديم المبادرات الواحدة تلو الأخرى. ليست الدولة ولا الجهات المخلصة التي دافعت عن تراب هذه الأرض هي المعنية بتقديم مبادرات، وليست هي المطلوب منها إصدار بيانات حسن النوايا، وتقديم صكوك غفران ومصالحة، وكأنها هي التي تقف في موضع الخطأ. نعم الدولة قامت بخطوات عديدة تُحسب لها لا عليها في اتجاه الحفاظ على البلد، وفي اتجاه المحافظة على ما تبقى من تلاحم شعبها بكل طوائفه، وفي سبيل التصدي للمزيد من محاولات الفرقة والتشرذم، لكن الدولة ترتكب خطأ لو قامت بكل ذلك لوحدها في حين وقفت الأطراف المؤزمة التي سعت لتنفيذ محاولة انقلابية صريحة في موقف المتفرج، وفي موضع المنتظر لهدية تقدم لها على طبق من ذهب. من خان البلد عليه أن يعلن التوبة، وحتى عندما يقدمها فالناس المخلصة حرة في تصديق إعلان حسن النوايا هذا من عدمه. هؤلاء المؤزمون هم المطلوب منهم أن يقدموا اعتذاراً واسعاً للشعب البحريني بكل طوائفه، بالأخص لمن تضرر منهم ممن حسبوه عليهم و«بهدلوا» عيشتهم بسبب تنصيبهم أنفسهم متحدثين باسمه. اليوم هؤلاء ينتظرون مبادرات من الدولة، ينتظرون “دعوات مفتوحة” ليعودوا في مركز اللاعبين في الساحة السياسية، وهذا إن حدث ليس إلا تنازلاً من الدولة عن حقها وعن حق المواطنين المخلصين لها في جانب المحاسبة والمساءلة وتطبيق القانون، ومن حق المواطنين بالتالي محاسبة الدولة على التفريط بحقوقهم. من يتعين عليه تقديم المبادرات وإعلان حسن النوايا والاعتذار والتحرك باتجاه حل الوضع المتأزم هم من تسببوا بهذا الوضع ومن أوصلوا البلاد لمنزلق خطير، لا الجهات التي كانت هي السبب في بقاء البحرين دولة خليجية عربية. من يأمن الثعبان عليه أن يجهز كميات كبيرة من اللقاح الذي يعالج به السم الذي سينتشر في جسده جراء اللدغات الغادرة.