بغض النظر عن المفهوم الذي تتخذه الديمقراطية في منابتها الفكرية أو المذهبية المختلفة فإن الديمقراطية تظل نسقاً مركباً من عدة عناصر اجتماعية وحقوقية واقتصادية وفردية ومعرفية مترابطة ومتفاعلة قائمة على الفصل بين المجتمع السياسي والمجتمع الأهلي حيث لا قيمة للعملية الانتخابية إذا لم ترافقها حريات واسعة للتجمع والتعبير وخطط التنمية البشرية المستدامة وإصلاح سياسي يؤدي إلى الفصل بين الدولة والدين ومن هذا المنطلق بالإمكان الوقوف على بعض أهم هذه الناصر الأساسية التي يصعب الاختلاف بشأنها مهما كانت مرجعياتنا:
• الحرية في أفقها الإنساني الواسع الذي يشمل حرية المعتقد وحرية الرأي والموقف وضمان الحريات العامة والخاصة في إطار القوانين المرعية في كل بلد.
• الحق في المشاركة السياسية في صنع القرار الوطني، مهما كان الحجم والكتلة عددياً، وهذا لن يتسنى إلا بوجود القنوات القانونية التي تضمن للمواطن المشاركة السياسية وتقرير مصيره والتي تتحدد فيها حقوق وواجبات المواطن التأطير وتنظيم الحياة السياسية.
• وجود المؤسسات التي تؤهل المواطن للمشاركة وهي الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني في منظورها الوطني المفتوح أمام جميع المواطنين دون تمييز على أي أساس غير المواطنية. ومن المهم هنا أن نذكر بأن أغلب قوانين الأحزاب للدول المتقدمة والديمقراطيات الكبرى قد أكدت بطلان قيام أي حزب سياسي يؤسس على أساس ديني أو فئوي أو عرقي أو جهوي أو عشائري أو يقوم على أساس تمييزي أو مخالف لحقوق الإنسان.
صحيح أن عملية بناء الدولة الديمقراطية والمجتمع الديمقراطي في أي بلد عملية تدريجية طويلة المدى والنفس، تتضافر فيها جهود الجميع، ولذلك تستغرق هذه العملية وقتاً قد يطول وقد يقصر بحسب أحوال المجتمع ومدى تمدنه ومدى انتشار التعليم والثقافة العقلانية فيها ومدى تحرر من سلطة الطائفية والتيارات الدينية عامة، فبناء الديمقراطية في الدول الغربية استغرق عدة قرون وواجه الكثير من الهزات والثورات والحروب. وهذا لا يعني أن العملية في عندنا يجب أن تستغرق قروناً أو عقوداً، ولكن من الطبيعي أن نتفهم أن العملية الديمقراطية هي بطبيعتها عملية ممتدة ويجب القبول بالتدرج فيها بالتوازي مع نشر الثقافة الديمقراطية وتحرير الإنسان الفرد من سلطان الطائفية والعشائرية وغيرها من السلطات التي تعيق التطور الديمقراطي وبناء الدولة الديمقراطية، فمن المستحيل بناء نظام ديمقراطي بين عشية وضحاها أو بمجرد إصدار دستور ديمقراطي، أو بمجرد قيادة سلسلة من المظاهرات الاعتصامات في الميادين والشوارع ، وفي الحالة المحلية نعتقد أن على القوى السياسية المعارضة وغير المعارضة أن تتفهم ضرورة اعتماد النهج التدريجي في تحقيق البناء الديمقراطي، إذ من الصعب بل من المتعذر الانتقال إلى نظام ديمقراطي كامل ودون أي تحضير وتمهيد، إلا إذا كان الاعتقاد -مما هو سائد لدى المعارضة- أن الديمقراطية تتحقق بمجرد وصولها إلى السلطة أو تقاسم السلطة أو بمجرد كتابة وثيقة مثل وثيقة المنامة وتضمينها أمنيات سياسية في الوقت الذي يعتبر البنيان الرئيس لهذه المعارضة نفسها غير ديمقراطي لأنه يؤكد على طابعها الديني والطائفي التمييزي وأن أعلى طموح لها هو تكريس سيطرة طائفية مقلوبة، تكرس سيطرة “طائفة الكثرة على طائفة القلة” (حسب التوصيفات الأساسية والمنطق السائد عن الأكثرية والأقلية)، حتى وإن أدى ذلك إلى إجراء عملية تطهيرية ضمن هذا المشروع بتجريد قسم كبير من المجتمع من الجنسية لضمان معادلة الأكثرية والأقلية الطائفية وليس السياسية، ولعل قوى سياسية (معارضة أو غير معارضة) تفكر على هذا النحو وتخطط على هذا الأساس لا يمكنه ان تسهم في بناء الديمقراطية.
.. وللحديث صلة