أفردت إذاعة وقناة بي بي سي وما تزال حيزاً منظوراً في بثها للأوضاع في البحرين بطريقة أو أسلوب يبدو للمتابعين العاديين أنه أمر يدخل في إطار نقل الأحداث وتغطية ما يجري في دول العالم ومنها البحرين، إلا أن المتابع اللبيب سواء كان عبر الاستماع للإذاعة العريقة أم المشاهدة لمحطتها التلفزيونية يستطيع أن يميز بين الغث والسمين، أي بمعنى أن بإمكانه معرفة الانحياز الواضح لجهة تثوير الأزمة في البحرين وتأجيجها، هذا إن جاز لنا أن نعدّها أزمة.
ففي الوقت الذي تتجاهل بي بي سي كثيراً من الأحداث والوقائع في أماكن وبلدان ليست بعيدة عن البحرين -سنأتي على ذكرها- نراها تكرس وقتاً غير قليل للترويج لما يدور في البحرين في محاولة واضحة لتأزيم الموقف، إذ لم تكتفِ بنقل خبر أو تقرير إخباري عن ذلك، بل تذهب أكثر إلى جهة تخصيص برامج كاملة تنعشها باتصالات هاتفية مع أطراف معروفة الاتجاهات ولقاءات وصور فديوية مسربة، حتى نجد أن مقدم البرنامج يجهد نفسه كي يبدو للمستمعين أو المشاهدين أنه حيادي ومهني ولكنه لا يستطيع أن ينقذ نفسه من الورطة التي وضعته فيها محطته، لأنه، وببساطة شديدة، ليس بمقدوره أن يساوي بين من يمثل وجهة النظر الواقعية الحقيقية وبين من يمثل وجهة نظر من يطلقون على أنفسهم “المعارضة البحرينية”، إذ تعطى مساحة من الكلام لهذا الطرف على حساب الآخر.
لذلك وللأسف الشديد انحدرت بي بي سي إلى مستوى خطير في تناولها لهذا الموضوع الذي أسرفت به كثيراً، حتى إنها عرضت مقدمي برامجها وخصوصاً برنامج (نقطة حوار) لإحراجات كبيرة حين يواجهون باستياء المتصلين من أسلوب التغطية غير المسوغ واعتراضهم على هذا الانحياز، فلا يجد المذيع أو مقدم البرنامج غير التهرب بأسلوب ذكي يغلفه بحجة متطلبات العمل الإعلامي وتغطية الأحداث..
هنا يحق لنا أن نتساءل إذا كانت بي بي سي تهتم لأمر سجين أضرب عن الطعام أو تهتم بشأن بضعة من السجناء -ولا نريد هنا أن نكون قضاة بحق هؤلاء ونحكم إن كان هؤلاء سجنوا بوجه حق أو من دونه- فلماذا إذاً لا تهتم لعشرات الآلاف من السجناء والمظلومين في العراق بالرغم من تعالي صيحات منظمات حقوق الإنسان الدولية لإنقاذهم من الظلم والحيف الذي يقع عليهم، وأين هي بي بي سي ودورها الإعلامي المهني المزعوم من عمليات الاغتصاب، وقبلها الملاحقة والمطاردة اليومية للمئات من الشباب والرجال، بل حتى النساء في العراق.. وإذا كانت هذه المؤسسة العريقة لا تعرف ولا تدري بما يجري في العراق الذي باتت سجونه تزدحم وينقص فيها حتى الأوكسجين، فذلك عيب كبير عليها وفقاً لمقولة “إن كنت تدري فتلك مصيبة وإن كنت لا تدري فالمصيبة أعظم!”.
لعل مهنتنا الإعلامية التي زادت على الثلاثين عاماً علمتنا الكثير من أسرارها، وكما يقال فإن أهل مكة أدرى بشعابها، ومقاصد البي بي سي لم تتوقف يوماً عن الانحياز لجهة على حساب أخرى، لكن ما نجهله حقيقة هو إلى أين تريد أن تصل بسياستها تجاه البحرين ولماذا هذا التحامل كله على بلد ينعم بالرخاء والأمن، ولمصلحة من تجذير روح العنف والقتل في هذا البلد السعيد؟
هذه أسئلة وغيرها على بي بي سي أن تجيب عنها، بل يتوجب عليها أكثر من ذلك، ألا تزدري بعقول الناس..
إعلامي عراقي مقيم في عمان