حازت 8 شركات دبوية (من دبي) على “علامة غرفة تجارة وصناعة دبي” للمسؤولية الاجتماعية وذلك، كما أشارت الغرفة “بسبب ريادتها في مجال المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات والاستدامة في نشاطاتها وأماكن عملها”. وبعد أكد أن النائب الثاني لرئيس مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة دبي هشام الشيراوي خلال افتتاحه حفل تكريم الشركات الحاصلة على علامة غرفة دبي للمسؤولية الاجتماعية للمؤسسات، على “أن العلامة توفر لمجتمع الأعمال أداةً قيّمةً لتقييم ومراجعة خطوات واستراتيجية الأعمال المسؤولة المطبقة داخل الشركة”، عاد كي ينوه “إلى أن حصول هذه الشركات على العلامة يجعلهم يعملون في إطارٍ معينٍ يسمح لهم بتطبيق أفضل الممارسات المسؤولة التي تلبي احتياجاتهم وتطلعات عملائهم، وتمنحهم النجاح وثقة العملاء والمجتمع”.
يأتي هذا التكريم في نطاق خطة شاملة تطمح من خلالها الغرفة، كما يقول مدير عام غرفة دبي حمد بوعميم، “إلى الوصول بعدد الشركات الحاصلة على علامة المسؤولية المجتمعية إلى نحو 100 شركة بحلول عام 2015”، بعد أن أظهر الاستبيان للعام 2012 الذي أجراه مركز أخلاقيات الأعمال، التابع لغرفة دبي، وشمل 200 شركة ، “ تغيب السياسات والاستراتيجيات الخاصة بالمسؤولية الاجتماعية عن 91.5% من شركات القطاع الخاص في دبي”.
مثل هذه النسبة المتدنية، إن دلت على شيء فإنما تدل على تدني الوعي بأهمية هذا الدور لدى رؤساء الشركات العاملة في المنطقة العربية، حتى في نطاق سوق ضيقة وناجحة بالمعيار التجاري لقياس النجاح، مثل إمارة دبي. ولهذه الظاهرة السلبية في المجتمعات العربية أسبابها الحضارية والتجارية على حد سواء، والتي يمكن حصر الأهم منها في النقاط التالية:
1. الخلط غير الواعي لدى الكثيرين بين مفهوم المسؤولية الاجتماعية للشركات وأنشطة الجمعيات الخيرية، وعلى وجه الخصوص الدينية منها، التي قطعت شوطاً كبيراً في هذا الاتجاه. إذ يعتبر صناع القرار في المؤسسات التي تتوخى الربح، من تجارية أو صناعية، أن مهمتها الاجتماعية تنصب في تحقيق الأرباح لأصحابها، تاركة الحرية الفردية لهم في التصرف فيما يجنونه من أرباح، في أوجه الخير المختلفة. هذا الفهم المغلوط للمسؤولية الاجتماعية للشركات يطمس الدور الإيجابي الذي يحققه الإيفاء بتلك المسؤولية، متى أحسن رسم استراتجياتها، وأجيد تنفيذ تلك الاستراتيجية، وبالقدر ذاته، يحصر تلك المسؤولية في نطاق المؤسسات الخيرية فقط.
2. غياب التشريعات والقوانين التي من شأنها تنظيم العلاقة بين ممارسة الأنشطة المربحة، والإلتزام بالمسؤوليات المجتمعية ذات البعد التنموي، سواء في داخل المؤسسة الواحدة، أو على نطاق المجتمع بكامله. فوجود مثل تلك التشريعات يقلص من حضور النزوات الفردية الأنانية الباحثة عن تحقيق أرباح طائلة، المترافقة مع إهمال أو حتى نكران تلك المسؤولية الاجتماعية الملقاة على عاتقها. هنا تبرز الحاجة إلى وجود تلك التشريعات الخلاقة المبدعة القادرة على فرض التوازن المطلوب بين قدرة المؤسسة التجارية على جني أرباحها، دون التفريط في واجباتها الاجتماعية، وعلى وجه الخصوص منها ذات البعد التنموي.
3. عدم وجود نظام ضريبي مقيس في معظم البلدان العربية، الأمر الذي يحول دون تخصيص الشركات لنسبة من عائداتها، قبل احتساب الضرائب، للإنفاق على مشروعات ذات علاقة بالمسؤولية الاجتماعية. ذلك أن تشريع نظام ضريبي متوازن، قادر على ضبط إيقاع أنشطة الشركات كي تؤدي هذا الدور الاجتماعي، يشكل عامل تحفيز وعنصر ضبط، في آن يضمن أداء الشركة بشكل مربح من جانب، ويشجعها على الإسهام في تنمية المجتمع من جانب آخر.
4. تسلط بعض المؤسسات الخيرية، ونزوعها غير المبرر نحو احتكار العمل الخيري، بما يشمل حتى شقه التنموي، واعتبار من يمارسه دخيلاً غير مرغوب فيه عليه. مثل هذه النزعة السلبية التي تمارسها تلك المؤسسات، تجاه المنظمات الأخرى، بما فيها تلك التي تتوخى الربح، تقصي قطاعاً مهماً له دوره الكبير في هذه المجال من جهة، وتكسر دورة الأنشطة المجتمعية في موقع مفصلي منها، مما يحول دون إكتمالها، بعد أن يعيق من قدرة عجلتهاعلى الدوران، أو يبطء من سرعتها في أحسن الأحوال.
5. تدني وعي منظمات المجتمع المدني العربية، بوجه خاص، حول مفهوم المسؤولية الاجتماعية للشركات، واقتصار ذلك الفهم على حصره في تلقي تلك المنظمات للمساعدات أو الدعم من قبل الشركات المتوخية للربح، وإنفاقه على مشروعات محددة، دون توسيع نطاقه كي يشمل شراكة مجتمعية يتم التاسيس لها بين الجهتين: التجارية المانحة، والمدنية الملتقية والمنفذة، كي تأتي النهايات المرجوة في هيئة مزج خلاق متكامل بينهما، يزيل تلك الحدود المفتعلة، بين ما هو تجاري، وآخر لا يتوخي الربح، دون المساس بمقاييس الشفافية التي وحدها القادرة على ضمان سير الأمور، وتنفيذ المشروعات دون مخالفة للتشريعات والقوانين التي تنظم العلاقة الصحيحة المرجوة بين المؤسسات الربحية، والمنظمات المدنية.
في ضوء تشخيص تلك الأسباب، ومن أجل تحقيق ذلك الزواج الطبيعي المنتج المتوخى من علاقة سليمة راسخة بين الشركات الربحية وأنشطتها ذات العلاقة بالمسؤولية الاجتماعية، ومنظمات المجتمع المدني التي تقع على عاتقها مهمة تنفيذ نسبة عالية من تلك البرامج المجتمعية المنتجة، ينبغي البدء بتنفيذ الخطوات التالية:
1. غرس تلك المفاهيم في ذهن المواطن العربي في مرحلة مبكرة من حياته وبشكل منظم ومتواصل. وينبغي أن يتم ذلك من منطلقات استراتيجية، تبدأ ببرامج التربية والتعليم في المراحل الدراسية الأولى، وتتدرج، وفقاً للاحتياجات الملموسة كي تنتهي في المراحل المناسبة، ثانوية كانت تلك المراحل أم جامعية. الهدف من ذلك أن تتحول التوعية بأهمية هذا النشاط المجتمعي إلى حالة مستمرة قابلة للتطور، وليست مهمة هامشية تخضع للنزوات الفردية أو حتى اللفتات المؤسساتية العفوية.
2. وضع أسس علاقات راسخة للتكامل بين سلطات المجتمع الثلاث، التشريعية، والتنفيذية والقضائية، دون إهمال او إقصاء السلطة الرابعة وهي الإعلامية، بما يضمن سير سياسات وبرامج المسؤولية الاجتماعية للشركات، وحتى المنظمات، بشكل سلس، ووفقاً لقوانين تضبط حركتها، وتضمن سيرها في الطريق الصحيحة، ونحو أهداف مشروعة محددة. ولابد هنا من التمييز الواضح، لدى جميع المؤسسات الضالعة في تلك العلاقات الفروق التي تميز بين ثلاثة أنشطة تبدو في شكلها الخارجي أنها متطابقة، لكنها مختلفة في الجوهر بل وحتى والأهداف وهي: الخطط التنموية البحتة، البرامج الخيرية الخالصة، ومشروعات المسؤولية الاجتماعية البحتة.
3. مبادرة الدولة لوضع خطط وتنفيذ مشروعات تشجع القطاع الخاص على انخراطه في أنشطة ذات علاقة بالمسؤولية الاجتماعية، وتعزيز ذلك بالحوافز الملموسة التي تعزز من خطوات ذلك القطاع في هذا الاتجاه.