الأيام الأخيرة شهدت مواقع التواصل الاجتماعي حملة واسعة للضغط باتجاه الإفراج عن طفل محتجز لاتهامه بالتورط في سلوكيات خاطئة من نوع المشاركة في إشعال النار في إطارات السيارات ورمي الحجارة على رجال الأمن. بغض النظر عن تفاصيل قضية الطفل المعني فإن اللوم أولاً وأخيراً يقع على الوالدين -أي والدين- اللذين ينبغي أن يحاسبا على السماح لطفلهما المشاركة في أعمال لا تتناسب والأطفال، حيث عليهما إن لم يمتلكا السيطرة على قرار طفلهما أن يبينا له على الأقل أن مشاركته في هكذا أعمال ستعرضه لمشكلات كثيرة وأنه سينال العقاب وقد يتم احتجازه حيث يتم احتجاز الأحداث. أما بعد أن تقع الفاس في الرأس فإن كل شيء لا يفيد والكلام عن أن المتورط “مجرد طفل” لا ينفع، وبالتأكيد لا قيمة لأي استثارة للعواطف لأن اللوم أولاً وأخيراً يقع على الوالدين وعلى أولئك الذين دفعوا الطفل “للخطوط الأمامية.. في ساحة الوغى”! وسمحوا لأنفسهم بشحن ذلك الطفل وتوصيله إلى المرحلة التي يشعر فيها أنه “رجل” وأنه “شجاع”.
لا أتحدث عن الطفل علي أو حسن ولكنني أتحدث عن الأطفال الذين تنتهك طفولتهم بهذه الطريقة ثم السعي لإخراجهم من الورطة بالحديث عن الطفولة وأهمية حمايتها واتهام الحكومة بأنها لا تراعي الطفولة وحرمتها.
ترى أين هم أولياء أمور الطفل المتورط في سلوكيات لا تتناسب والطفولة عندما رأوه وهو يتجاوز مساحته وحدوده؟ أين هم أولئك الذين انبروا يغردون ويستثيرون العواطف لاتخاذ موقف ضد السلطة التي رأت انتهاكهم للطفولة فأرادت تصحيح الخطأ؟ أين هم أولئك الذين صاروا يصرخون بكل ما أوتيت حناجرهم من قوة ويقولون إن المكان الطبيعي للطفل المحتجز هو “حضن والديه” قبل أن يورطوه في مثل هذه السلوكيات؟
في حالة الأطفال الذين يتورطون في أعمال مثل حجز الشوارع وحرق الإطارات ورمي الآخرين بالحجارة وما إلى ذلك من أعمال عدائية فإن المنتهك حقوقهم هم أولئك الذين سمحوا لهم بممارسة تلك الأفعال أو دفعوهم إليها لأنهم هم من انتهك حقوق أولئك الأطفال باستغلالهم مثل هذا الاستغلال البشع، فالطفل مكانه حضن والديه كما قالوا ولكن ليس بعد أن يتورط وإنما قبل ذلك!
دفع الأطفال لممارسة مثل هذه السلوكيات التي لا تتناسب مع الطفولة ثم شن حملة ضد الجهات ذات العلاقة التي احتجزتهم يعني أن هؤلاء الأطفال ضحايا تفكير أعوج يريد استغلالهم في الميدان ثم استغلال “قضاياهم” إعلامياً ضد السلطة التي من واجبها حماية أولئك الأطفال عبر حجزهم وتعديل سلوكهم، وما التركيز على استخدام كلمة “اعتقال” والقول إن الحكومة “تعتقل” الأطفال إلا دليلاً على أن هؤلاء يستغلون أولئك الأطفال لخدمة قضايا لا يعلمون عنها شيئاً.
كان الأحرى بالجمعيات السياسية أن تسعى إلى منع استغلال هؤلاء الأبرياء واستغلال الطفولة مثل هذا الاستغلال البشع، وكان الأحرى بالذين كلفوا أنفسهم عناء التغريد عبر مواقع التواصل الاجتماعي أن يطالبوا هؤلاء بالتوقف عن هذا السلوك المنتهك للطفولة فهو أجدى من التغريد لإطلاق سراح مثل هؤلاء الأطفال بعد أن يكونوا قد دخلوا تجربة ما كان ينبغي أن يدخلوها. إن اللوم كل اللوم يقع على من دفع بهؤلاء الأطفال لممارسة سلوك لا يليق بهم، واللوم كل اللوم يقع على أولياء أمور أولئك الأطفال الذين سمحوا لأنفسهم كي لا ينتبهوا لأطفالهم وتفضيل التباكي بعد أن يكونوا قد تورطوا.
اللوم بدرجة أقل أو أكثر يقع على المعنيين بالطفولة في هذه البلاد حيث لم نر منهم أي موقف يدين على الأقل هذا الاعتداء الصارخ على الطفولة عبر استغلال الأطفال وإدخالهم في مساحة مخصصة للكبار.