إن دعوة المصالحة التي نسمع عنها هنا وهناك؛ هي دعوة لا تصنع أمناً ولا تدفع بازدهار، ولا تبني اقتصاداً ولا تحمي وطناً، وها هو خطاب علي سلمان الذي ألقاه بمناسبة -على حد زعمه ذكرى انتهاء السلامة الوطنية- إذ يقول: “إن الحرية والديمقراطية ستتحقق بالبحرين في الزمن المنظور”، كما تجرأ في خطابه على المؤسسة العسكرية قائلاً اعلم أن مجرد كلمتين بفتوى شرعية تجعل عشرات الآلاف من أبناء هذا الشعب يحملون أرواحهم على كفوفهم ويخرجون خروجاً لا يبقي ولا يذر”، فكيف إذن للدولة أن تسعى للحوار مع من يهدد الشعب بالإبادة؟ وكيف توافق أن يكون لمثل هذا الشخص مكان في الدولة حين يعترف وبلسانه أنه يمتلك قوة لا تبقي ولا تذر؟ وأن ما حدث من إرهاب لا يمثل إلا جزءاً يسيراً من قوته المخبأة تحت أرضيات المآتم والمزارع وفي المخازن والبيوت وفي القرى المحصنة، والتي تقوم بحمايتها المليشيات التي تتعمد الفوضى عند مداخل القرى لتأمين حرية وحركة التدريب العسكري الذي يعد له علي سلمان في المستقبل المنظور.
إن القوة التي يحاول علي سلمان الإيحاء بها تتعدى قوة السلاح، وذلك عندما تكون المنشآت الحيوية من اتصالات ونفط وغاز ومواصلات وطائرات وسفن بحرية تحت يده كما يعتقد، ناهيك عن باقي الوزارات التي يستخدمها ويسخرها لتسهيل الانقلاب القادم، والذي حدد زمنه حين قال “في المستقبل المنظور”، والمنظور هنا لا يعدو عن عدد قليل من السنوات.
لا نلوم علي سلمان في تمادي خطابه، لكن نلوم السكوت الذي دفعه إلى هذه الدرجة، إن تمادي علي سلمان في خطابه له أسباب كثيرة، ومنها بالطبع الدعم الأمريكي والإيراني، ذلك أسباب ساهمت فيها الدولة بإعادة المفصولين إلى أعمالهم وتخفيف الأحكام، وإطلاق سراح المجرمين، وسكوت الجهات الرسمية عن المحرضين حيث كان يجيز لها القانون أن تسحب جنسياتهم وتنفيهم، فشرف الجنسية لا يناله إلا من يثبت ولاؤه واعترافه بمشروعية الحكم في الدولة، فلا يمكن لدولة أن تقوم برعاية من يتآمر عليها وتقدم له ولأبنائه الخدمات حاله كحال المواطن المخلص لوطنه، لكن ما يحصل الآن هو العكس؛ حيث المكافأة لمن شارك في مؤامرة الانقلاب وقام بالأعمال الإجرامية إذ تم إرجاعه للعمل مع التعويض المجزي تحت بند الضرر النفسي والمعنوي، ثم قيام الدولة بإرسال الوساطة من أجل حوار ومصالحة، مما دفع المدعو علي سلمان أن يصل خطابه إلى حد التهكم بالمؤسسة العسكرية، وهو يعلم تمام العلم أنه سيظل الشخصية التي تتمنى الدولة أن يقبل بحوارها مهما هدد وحرض.
قد يقبل علي سلمان بالحوار ليس من أجل البحرين، بل لأن الأوامر جاءته من طهران بأن يكون مستعداً لبدء الحوار، حيث تتطلب مصالح طهران في الصلح مع البحرين لتمكن أتباعها مزيداً من التغلغل في الدولة، وما التخويف والتهديد للدولة من قبل علي سلمان بأن مجرد كلمتين ستخرج أتباعه خروجاً لا يبقي ولا يذر وأنه لم يستخدم بعد قوته، هو لحث الدولة للتسريع في الحوار، خصوصاً عندما يكون هناك من يهول من خطر الوفاق وأن عدم مصالحتها سيقضي على الاقتصاد نهائياً.
على الدولة اليوم مسؤولية مهمة ليس فيها مجال للتأخير؛ وهي الأمن الداخلي والخارجي الذي يبدأ من توازن نسبة القوى العاملة في المؤسسات الحيوية، خصوصاً قطاع النفط والغاز والاتصالات والمواصلات، كذلك بالنسبة لبعض الوزارات الخدمية والتي يسيطر عليها أتباع الوفاق، مما يعد خللاً وخطراً كبيراً يدخل ضمن القوة التي تحدى بها علي سلمان المؤسسة العسكرية، وأن غياب الاستراتيجية الجادة للدولة سيسهل الدرب لمؤامرة قادمة سيكون خطرها أكبر على البحرين حين تخسر إيران سوريا.
^ اعتراف بالجريمة..
تستطيع اليوم الدولة محاكمة علي سلمان على اعترافه بأنه استخدم أقل من 50% من قوته، وهو اعتراف بالإرهاب وبامتلاكه لقوة مدمرة، كما إن تهديده للدولة بأنه لم يستخدم كامل قوته، وأنه في طور الإعداد لخروج عشرات الآلاف من أتباعه للقيام بإبادة جماعية لا تبقي ولا تذر