صدر أمس الأول حكم تمييز غاية في الأهمية؛ وإلى الذين لا يعلمون فإنه حكم محكمة تمييز، بمعنى أنه يحمل مبدأ عاماً تسترشد به المحاكم من بعد صدوره. هذا الحكم التاريخي يأتي في فترة نحن أحوج ما نكون إليه بعد أن تحولت الساحة الإعلامية إلى (مزبلة أدبية) خاصة تلك التي على مواقع الإنترنت. وبعد أن دشنت الوفاق، وهي الحزب السياسي والأهم (الإسلامي)، دشنت وبدأت مسيرة نشر (قيم) مختلفة عما تعلمنا وتأدبنا عليه لمعاني حرية الرأي والتعبير، أصبح فيها السب والقذف والطعن بالأعراض بطولات وحرية تعبير، حين حملت من طعن في الأعراض على الأكتاف وصعدتهم للمنصات. هذا الحكم هو مبدأ عام لا يختلف عليه اثنان وهو من المسلمات، لكننا في زمن أصبحنا نضطر فيه أن نعرف المعرف بعد غسيل المخ ونشر القيم والمفاهيم المغلوطة. هذا الحكم على كل حزب سياسي وكل مؤسسة تعنى بحقوق الإنسان وكل مؤسسة إعلامية صحافية مطبوعة كانت أو إلكترونية، وكل أصحاب مزودي الخدمات الإلكترونية كالمواقع والحسابات في الإنترنت أن يعلقوه في صدر مواقعهم، ليعلموا هم أولاً ماذا يعني وما معناه وماذا سيحمل من تبعات. إنه حكم؛ هو خطوة أولى ويحتاج لمراجعة العقوبات من بعده حتى تفعل قيمته ومعناه، حكم يوضح الفارق بين التعبير عن الرأي وبين السب والشتم والقذف. هذا الحكم يفرق بين النقد المباح والمشروع؛ وهو تناول الفعل لا صاحب الفعل، بمعنى إن كان خلافك مع شخص حول قيامه بفعل أمر ما أو قول ما فإن من حقك أن تتناول بالنقد قوله أو فعله ويحق لك، ولا يجوز لك أن تسب أو تقذف صاحب هذا الفعل أو ذاك الرأي. ونحن اليوم نرى كيف اختلط السب بالنقد واختلط القذف بحرية التعبير، وترك الفعل وترك الرأي وتوجهوا لصاحبه، فسبوه ولعنوه وطعنوا في شرفه، وحين انتهوا قالوا (حرية تعبير)!! لم يبق أب أو أم إلا وسب، لم يبق شرف أو حياء إلا وقيل، لم يبق اتهامات تلقى بالباطل إلا ورميت ودون دليل ودون إثبات، لم يبق اتهام بالذمة المالية وبالشرف إلا وكتب، وحين ينتهون يقولون لماذا تضيقون بحرية التعبير؟ لم لا تردون؟ يعيشون في وحل من الأوساخ ويريدون أن ينزل الناس معهم ليخوضوا فيه، وكل ذلك أصبح الآن (قيمة إنسانية) عالية تسمى حرية تعبير. حيثيات الحكم طويلة ولكنني اقتطف هذا النص الهام منه: «إنه من المقرر أن القصد الجنائي في جريمة السب أو القذف يتوافر إذا كانت المطاعن الصادرة من الساب أو القاذف محشوة بالعبارات الخادشة للشرف والألفاظ الماسة بالاعتبار، ولا محل هنا للتحدث عن النقد المباح الذي هو مجرد إبداء الرأي في أمر أو عمل دون أن يكون فيه مساس بشخص صاحب الأمر أو العمل بغية التشهير به أو الحط من كرامته فإذا ما تجاوز النقد هذا الحد وجب العقاب عليه باعتباره مكوناً لجريمة السب أو القذف”. هذا الحكم يحتاج إلى أن يعلن ويرفع وينشر ويلقن في المدارس والجامعات، ولا يمنح ترخيص لأي صحيفة أو صحافي كاتب مقال أو صاحب موقع أو حساب على الإنترنت لأي شخص إلا بعد أن يقرأه ويقر أنه يعرفه ويتحمل مسؤولية مخالفته.