بعد سنة طويلة من الجهد والاجتهاد بذله الطلاب في التحصيل العلمي وانتهت بالامتحانات وفرح ظهور نتائج الحصاد -فبعد الامتحان يكرم المرءُ أو يهان- تأتي الإجازة الصيفية لتكون محلاً للاستراحة والترويح في عصر تكثر فيه الأعباء وتثقل الأشغال، فالاستمرار في العمل دون انقطاع وبصورة متواصلة تورث الملل والفتور في الهمة والضعف في العزيمة، في حين أن الاستجمام وفق ضوابطه الشرعية يجدد النشاط، ويزيد من الإنتاج ويبعث لاستئناف العمل بأفكار وطموح ونفسية مختلفة. إن تقرير الترفيه في شريعة الإسلامية دليل على شمولها وتكاملها ومراعاتها لجميع الحالات الإنسانية، وأدق تفاصيله النفسية، فهذا أحد الصحابة أراد أن يجعل كل أوقاته لطاعة الله ويصل إلى أعلى درجات الكمال في طاعة الله، وظن بأن شيء من المرح مع الأهل أو الأولاد تنافي تمام العبودية، فالتقى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال له: نافق حنظلة، تُذكِّرُنا بالجنة والنار كأنّا رأيُ عين، فإذا رجعنا، عافَسنا (اشتغلنا) الأزواج والضيعة (الأعمال) فنسينا كثيراً، فقال صلى الله عليه وسلم: “لو كانت تكون قلوبكم كما تكون عند الذكر لصافحتكم الملائكة حتى تسلم عليكم في الطرق، ولكن يا حنظلة ساعةً وساعةً” ساعة تؤدون حقوق ربكم، وساعة تلتفون لقضاء حوائجكم. وقال أبو ذر -رضي الله عنه-: “وعلى العاقل أن يكون له ساعات: ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يفكر فيها في صنع الله، وساعة يخلو فيها لحاجته من المطعم والمشرب”. فلذلك لنجعل من الصيف سبب لترويح عن الأبناء بالأنشطة المختلفة التي تتناسب مع أعمارهم، ويستفيدون فيها من أوقاتهم، فإن ساعات الإجازة طويلة ولو ترك الأبناء دون برنامج واضح لأدى ذلك إلى انحرافهم. إن الترويح لا ينبغي أن يفهم ويفسر بالممارسات العصرية اليوم، فالكثير منها تصرفات خاطئة، فإن سماحة الدين؛ إذ تبيح الترويح إنما تبيحه بضوابط ووفق قواعد، ومن أهمها أن لا تخرج عن دائرة الحلال الواسعة إلى الأفعال المحرمة ارتكاب المحرمات أو التهاون في أداء الواجبات. ثم أن هذا الترفيه ليس هدفاً بذاته وليس كل شيء في حياة المسلم، وإنما هو وسيلة لخدمة مقاصد ومصالح أعلى، تبنى في ظلها الشخصية القوية، وتزكي الأخلاق، وتفتح آفاقاً جديدة في العمل والمعرفة، وتوازن بين جوانب الحياة المختلفة فلا إفراط ولا تفريط.