أعشق السينما كثيراً، وكلما أجد فرصة للذهاب إليها، أتذكر شاباً بحرينياً كان يبيع تذاكر أفلام السينما قبل سنوات عدة، هذا الشاب كان صديقاً منذ أيام طفولته بحكم سكنه في المنطقة التي أقيم فيها. وعندما شاهدته يبيع تذاكر السينما للمرة الأولى استغربت كثيراً وسألته لماذا تعمل هنا وأنت شاب طموح ويفترض أن تكون على مقاعد الدراسة الجامعية؟ كانت إجابته نابعة من ثقة فريدة: “أهوى الأفلام وأهوى السينما منذ سنوات طويلة، وعملي في بيع التذاكر يتيح لي أن أكون أكثر قرباً مما أحب”. لم يكن تعليقي سوى ابتسامة على هذا الطموح النادر. بعدها كنت أستمتع كثيراً عندما ارتاد السينما وأجده أمامي يبيع التذاكر، فأطرح عليه السؤال التقليدي “ما هي الأفلام الجديدة التي تنصح بمشاهدتها؟”. فتكون إجاباته طويلة لدرجة يتعطل فيها طابور مرتادي السينما خلفي الذين ينتظرون دورهم لشراء التذاكر بسبب حديثه التفصيلي والدقيق حول الأفلام، والممثلين فيها، ومخرجها، بل وقصتها والتقنيات المستخدمة فيها، والأهم من ذلك نقده لها. فتكون نصائحه دائماً مضمونة، ولا أذكر ندمي مرة على مشاهدة أحد الأفلام نصحني هو بمشاهدتها أبداً. بمرور الوقت صار هذا الشاب مرجعاً لدى شريحة واسعة من الأصدقاء الذين كانوا يطلبون رقم هاتفه أحياناً للاستفسار عن أي الأفلام يشاهدونها كل أسبوع، وكانوا أيضاً معجبين بثقافته السينمائية الواسعة. بسبب ظروف الحياة اضطر لترك العمل في السينما المكان الذي أحبه كثيراً ليبدأ مشوار الحياة الذي يجب أن يهتم به كل شاب، وواصل دراسته الجامعية في مجال القانون، ليعمل لاحقاً في مصرف البحرين المركزي في الشؤون القانونية. هذا المسار من حياته لم يمنعه أبداً من ترك اهتمامه الكبير وولعه الفريد بكل ما هو سينمائي، فواصل تطوير ثقافته السينمائية، واستطاع إقامة شبكة علاقات واسعة من الصداقات مع العديد من المخرجين السينمائيين والمنتجين وحتى الممثلين والروائيين، كما خضع للعديد من الدورات والورش التدريبية في مجال الإخراج والسينما. بدأت مغامرته السينمائية الأولى عندما أخرج فيلم (البشارة) وهو فيلم سينمائي قصير فاز بجوائز دولية عديدة. بعدها تتوالى أعماله المميزة في الإخراج السينمائي الواحدة تلو الأخرى، للأسف الشديد لا أذكرها جميعاً، ولكن منها، فيلم (من الغرب)، وفيلم (كناري)، ومشروع (استرجاع) الذي حاز على جائزة الأسد الذهبي باسم مملكة البحرين لأفضل مشاركة وطنية بمهرجان البندقية لفن العمارة الدولي لعام 2012. وفيلم (تحت السماء) الذي أخرجه تحت إشراف المخرج السينمائي الكبير عباس كيارستمي عام 2011. وفيلم (هنا لندن) الذي حاز الجائزة الثالثة لأفضل فيلم خليجي قصير ضمن جوائز الدورة الخامسة لمهرجان الخليج السينمائي. وصل عدد الأفلام السينمائية القصيرة التي أخرجها إلى 7 أفلام وبعض المشاريع الأخرى التي كانت له إسهامات واضحة فيها. واستطاعت أعماله المشاركة في العديد من المهرجانات السينمائية والفعاليات الثقافية في أكثر من 23 دولة، ونالت الكثير من الجوائز الدولية. وهذه السمعة الدولية والخبرة المميزة أتاحت له عضوية مجلس إدارة نادي البحرين للسينما. منذ العام 2008 يعمل هذا الشاب على مشروع فيلم سينمائي طويل باسم (شجرة الحياة)، والمشروع من تأليف الكاتب والروائي البحريني الكبير فريد رمضان. ومن المتوقع أن يكون هذا الفيلم من أهم الأفلام السينمائية البحرينية الطويلة رغم ندرة عددها. واللافت أن هذا الشاب لم يصطدم بواقعه في البحرين عندما لم يجد الدعم لتنفيذ مشروعه السينمائي الطويل، بل تحرّك ليجد الدعم والتمويل من الإمارات وكوريا الجنوبية، ومازال يعمل على ترتيبات هذا المشروع الطموح. هذا المشوار الطويل، والإنجازات الكثيرة هي لشاب بحريني لم يتجاوز الثلاثين من عمره، فمازال في العشرينيات من عمره، وأعتقد أن التقدير والدعم من الدولة هو أقل ما يستحقه المخرج السينمائي البحريني محمد راشد بوعلي.