لاختراق جهاز مناعة نظام الأسد لا بد من حملة جوية، لأن إنهاكه بدلاً من الاشتباك معه أثبت عدم جدواه. ففي إثبات رقمي فاق الضحايا 14 ألفاً بينهم 1012 طفلاً و865 امرأة و545 قتلوا تحت التعذيب. والواقفون في الوسط في الخليج والغرب هم من يحدد موعد الضربة. فرغم أنها عمل مبرر فإن دول الخليج لم تحدث الاختراق المطلوب في جدار الانتهازية الروسية رغم لقاءات مجموعة الاتصال في إسطنبول 7 يونيو 2012. من ناحية أخرى فإن كل المواعيد والحجوزات في أجندة واشنطن مجمدة لما بعد نوفمبر 2012، خوفاً على مستقبل الرئيس أوباما في الانتخابات، رغم أن النجاح في إسقاط الأسد قد يضاف إلى النجاح المتراكم من قتل بن لادن ثم أبي يحيى الليبي.

لن يستطيع الثوار حسم الأمور على الأرض. مما يجعل دفع الواقفين في الوسط لتحريك الحل العسكري أمراً ملحاً. بل إن ما يشجعنا على الدعوة له تلميحات الرئيس الفرنسي ووزيري خارجية بلجيكا وإيطاليا بإمكانية تفعيل الأداة العسكرية. يضاف لها تصريح السفيرة الأمريكية في الأمم المتحدة، بأنه إذا لم يتخذ مجلس الأمن إجراءات حازمة، فسنتحرك خارج إطاره. تبعها توضيح عضوي الكونجرس ليبرمان وماكين أن تلك الإجراءات هي شن ضربات جوية بالتعاون مع الحلفاء كما فعل كلينتون في كوسوفو.

ودون تخطيط وتحليل منطقي ستكون الحملة الجوية مكلفة من ناحية اقتصادية وعسكرية بل وأخلاقية، فمنظمة “هيومن رايتس واتش” مازالت تطارد حلف الأطلسي بدم 72 مدنياً ليبياً. ورغم ضعف طيرانها فإن أجهزة دفاع سوريا الجوية ضخمة ومنظمة، وسوريا كبيرة جغرافياً، وفيها تركيز سكاني كثيف يعيق العمليات. ومنطقياً ستهاجم قوات الناتو بالترتيب مصانع السلاح ومخازنه ثم الدفاعات العسكرية، يليها مراكز القيادة والسيطرة ثم النقل بما يشمله من طرق وجسور وموانئ ومطارات. ولأن تحليل الأهداف يشمل تحديد الدور العملياتي لكل هدف وأهميته النسبية في استراتيجية الحرب السورية العامة، فالمسألة هنا هي تدمير “مدينة الصواريخ” الموجهة لدول الخليج. أما في الفكر العسكري للحملة فيجب حسم “مفهوم العملية” إن كان التدخل لفض نزاع بين طرفين يجران البلد لحرب أهلية كما يريد الأسد للعالم أن يفهم؟ أم هي حملة لفرض وتأمين ممرات ومناطق آمنة بها مراقبون عسكريون؟

لقد عكست تحركات الخليجيين تجاه الأحداث وضعها العسكري والسياسي الخجول، ففضلنا البرجماتية التي جعلتنا على هامش الأحداث لعقود، فهل النهج التصالحي كاف لحفظ مصالحنا الخجولة؟ ألم يحن الوقت لتغيير النهج لتكبر المصالح!! ففي الأفق الإقليمية يتشكّل مناخ ملائم لاحتضان حملة جوية ضد نظام دمشق من أجل تحقيق الأهداف الاستراتيجية الخليجية التي عمادها فك أحد طرفي الكماشة الإيرانية حول أعناقنا؛ لكن لذلك تبعات منها:

1- أصبح لدول الخليج إرث في الحروب المباشرة وغير المباشرة منذ إرسال بن لادن ومعه المئات من فتيان الخليج لأفغانستان، مروراً بدعم الطاغية صدام وغزو وتحرير الكويت ثم حرب العراق، حيث أصبح لدينا قابلية حرب مقارنة بالغير، ففي الأردن مثلاً تبذل الاستخبارات جهوداً مضنية لتفادي تورط عمان في سوريا. لذلك اندفع صناع السياسات الغربيون للقول بحث تركيا والخليجيين لقيادة الجبهات مع تقديم المساعدة من الخلف. فهل تلك شهادة بأننا جاهزون لهذا الأمر؟

2- عند بداية الحملة ستنقل سوريا المعركة خارج أراضيها. فإذا لم تتمكن من إيصال الأمور إلى حافة الحرب مع إسرائيل فسوف تجر دول الخليج، وستكون الصواريخ السورية بمدى 3000 كلم وأكثر رسائل الانتقام يخففها خوفنا المتأصل لعقود مضت من هجوم إيراني أدى لتحسين قدراتنا الدفاعية المضادة للصواريخ.

3- لأنه أدمى أنف آلة العدوان الصهيونية خلعنا على حزب الله في يوليو 2006 قلادة البطل القومي. لكن الدور المشين لنصر الله في مجازر سوريا أضرت بسمعة الحزب. وبسقوط محور إيران - سوريا - حزب الله، لن يتردد الأخير في أن يكون الأداة المسلحة لتلك الأنظمة في شوارع الخليج لتخفيف الضغط حين إطلاق صافرات الإنذار في ليل دمشق.

4- ستقوم طهران بخلط الأوراق للإضرار بالمصالح الاستراتيجية للقوى الغربية في المنطقة كالقيام بمناورات استفزازية أو التهديد بالتدخل في البحرين، أو بدفع حزب الله أو بعض الفصائل الفلسطينية للهجوم على الصهاينة. ويعني ذلك في الخليج رفع درجة الاستعداد القتالي للحالات القصوى. وقد لا تطبق خطط التعبئة الجزئية أو حتى العامة ولن يستدعى الاحتياط. لكن حالات الاستعداد بذاتها مجهدة للرجال والمعدات ومرهقة اقتصادياً ومزعجة أمنياً.

5- ستؤدي الحملة وفتح ممرات جوية «Air Corridor» بخلق ضغط على حركة الطيران التجاري، ملغية رحلات لبنان والأردن ومصر وتركيا والعراق، بما لذلك من تبعات أبسطها ارتفاع الأسعار. كما ستترك الحملة سوريا دولة ساقطة كالعراق وليبيا واليمن. وستتحمل دول الخليج معظم أعباء إعادة إعمارها وتبعات احتواء الفوضى.

في سياق إقليمي شديد التحول، على دول مجلس التعاون أن تختط لنفسها مساراً خارج العناوين القديمة، وخروج الحملة من بعض دول الخليج رغم الكلفة التي ذكرناها يعني رسم خريطة استراتيجية يتشكل فيها خليج جديد كان ذا قوة اقتصادية ويضيف لها الآن القوة السياسية ثم بمشاركته في الحملة ستصبح القوة العسكرية الركيزة الثالثة، فدول مجلس التعاون هي أكثر مناطق العالم تسلحاً، يرافقها تغييرات جوهرية في جاهزية جيوش الخليج في النوع والكم.