ليست كل اللحظات جميلة في الوطن؛ بل يعيش مع هذه اللحظات مثلها قاسية؛ في الكثير من الأحيان يحلم الإنسان بأن يكون سعيداً أكثر في وطنه الذي يحبه ويعشقه، ويفديه بروحه ويحميه بجسده، وتاريخنا البحريني والعربي يتلو الكثير من سطور الملاحم الوطنية والإنسانية لرجال بحرينيون كانت الصعوبات زادهم والعوائق مذاقها حلو في طريقهم المليء بالكثير من الأشواك. واليوم في حاضرنا يزخر وطننا البحريني بالكثير من الإنس من جميع جهات الأرض بلا استثناء، الداكن والأبيض والذهبي والأصفر والأسمر، جميعهم حطوا رحالهم في البحرين عندما أصبحت البحرين وطناً للجميع، وطناً للتعايش والتسامح، وطناً لا يستثني أحداً، بل كل من تطأ قدماه تراب البحرين يصبح من مواطنيه بدون عيبٍ ولا نقص. هذا الأمر “ البحرين وطناً للجميع “ أصبحت عنواناً لكل مَن يُريد وطناً آخر غير وطنه، حتى أصبح ابن البحرين يبحث له عن موقع ليضع عليها قدمه، يبحث له عن رزق، وقد يتأخر موعد تسلمه لمسكنه الحكومي حين يتقدم عليه الآخرون.
في بلادٍ تعج بها الاستثمارات والأعمال والإنشاءات ينافس فيها القادمون في كل شيء، قد يكون مَن حقهم أن يساهموا في العمل والتنمية والبناء بقدر ما يكسبون، ولكنهم اليوم هم منافسون لأبناء البلاد في كل شيء، في الأرض والخدمات، في العمل والمكتسبات، في كل لحظة جميلة في هذه البلاد. بالأمس البعيد والقريب نشرت الكثير من الجرائد المحلية عن صرخات من المستثمرين الكبار ومن أصحاب الأعمال الصغار عن احتلال الأجانب للكثير من الأعمال ومواقع الإنتاج، فعلى سبيل المثال لا الحصر... منذُ أيام كثيرة نشرت إحدى الجرائد عن احتلال العمال الأجانب لأعمال صيد الأسماك في البحر، وإنهم يقومون بسرقة أسماك الغير، وبعضهم اشتكى للجهات المعنية من هذا السلوك الإجرامي، وقد اتضح أن البعض من هؤلاء تظللهم رعاية كبيرة تتميز بسطوة جامدة!! ومن أيام قليلة جداً كتبت إحدى الجرائد عن استغاثة باعة سوق السمك البحرينيين في المنامة من الباعة الأجانب الذين استحوذوا على أكثر من 70% من موقع السوق!! غير الباعة الجائلين الذين يجولون ببضاعتهم بين البيوت وأولئك الذين يفترشون الأرض في المدن والأسواق وفي الطرقات تحت سمع ونظر الجهات المعنية وقوانينها.
فهل هذا هو الهدف من أجل أن تكون البحرين وطناً للجميع؟ فهناك الكثير من البلدان تمتلك مقومات وإمكانات أكثر من البحرين ولكنها أصبحت وطناً لأهلها أولاً، الغير يُشارك في البناء والتنمية وبقدر ما يكسب. ليست لدي أرقام التحويلات المالية الأجنبية التي تخرج من البحرين إلى بلدان أولئك العاملين، ولكنها بالأكيد هي كثيرة، ويمكنها أن تغطي العجز الاقتصادي والاجتماعي للدولة وأبنائها. نحن مع أن تكون البحرين وطناً للجميع ولكن أن يكون للمواطن البحريني موقعاً متقدماً في وطنه، فيجب أن يكون المواطن إنساناً في وطنه لا رقماً إحصائياً، أن تكون أكثر المكتسبات له بل يجب أن يكون مميزاً بين الآخرين لأنه ابن الوطن الذي لن يرحل عنه أبداً.
نسعد كثيراً حينما نقرأ عن وطننا في الصحف الأجنبية بأن البحرين أصبح وطناً للتعايش السلمي والاجتماعي وأنه لا يفرق بين الإنسان والآخر، لكن الكثير من أولئك عندما يأتي إلى البحرين يدرك جيداً أن ما يراه ويعيشه أكثر مما قرأ عنه وسمع به، فيبدأ باقتناص فرصته وغرف ما تقدر عليه يداه بدون إدراك بأن ذلك هو لأشخاص آخرين غيره، وهذا الغرف لا يجعل من المواطن أولاً. فنحن عندما نقول إن البحرين هي أولاً نعني كثيراً بأن البحريني هو أولاً، وهذا الأمر لا يتحقق بالشعارات والكتابات وإنما بالأفعال، وما أوصل البحرين إلى هذه الحال هو أبناء البحرين الذين رفض الكثير منهم مختلف أنواع الوظائف التي يتنافسون عليها الآن مع العمالة الأجنبية، فكانت الفرصة متاحة لهم بالأمس وكان سهلاً عليهم اقتناصها من دون جهد يذكر لكنهم رفضوها، وكانوا يعتقدون أنه العمل في المكاتب والمؤسسات الحكومية ( موظفين )، وتناسوا أن العمل هو عمل كيف ما كان وفي أي موقع إنتاجي أو خدمي، ولم يعوا ذلك إلا بعد أن فات الأمر عليهم وبعد أن أصبحت أرض العمل مليئة بالأشواك. فعلينا اليوم تحمل نتيجة حصد الآخرين، وبجانب ذلك القوانين والتسهيلات الرسمية التي ساهمت كثيراً في ذلك، فليست هناك مراقبة على تسيب العمالة وزيادة أعدادها، وليست هناك أية دراسات فنية حول مدى الحاجة إليها وإلى نوعيتها، وأعدادها في تزايد مستمر في وطن جغرافيته صغيرة كان لزاماً عليه أن يصبح وطناً للجميع
{{ article.article_title }}
{{ article.formatted_date }}