بعضهم يسألني وكل الدهشة والغضب والاستياء تجمعت فيه في خليط عجيب عما إذا كانت التطورات الأخيرة، سواء الإجراءات على الأرض أو أحكام القضاء أو سجال الحوار تشكل لدي صدمة ومبعثاً على الاستغراب، فأجيب بهدوء بأن: كلا، فالسيناريو أصلاً واضح منذ البداية.
المسألة واضحة باعتبار أنها نتيجة حتمية لإجراءات لم تكن تتم وفق نظرة شمولية تضع في اعتبارها الجوانب الأخرى، خاصة وأن الضغط اليوم يأتيك من الخارج لا الداخل، هذا الخارج الذي لم تعره الاهتمام المطلوب “وقتها” ولم تتحرك باتجاهه حينما كان غيرك يتحرك معه في سبيل استهداف البلد.
حاولنا مراراً التعامل مع الوضع بهدوء وعدم توجيه النقد الصريح الذي “يؤلم” على اعتبار أن الدولة وبالأخص من يطبق السياسة المعنية في كل قطاع مرتبط بالأمور “يعرف” تماماً ما يفعله، لكننا وصلنا اليوم لرؤية كيف يكون “حصاد” العمل الخاطئ.
حينما كانت البحرين تتعرض لعملية اختطاف ولمخطط انقلابي كان إعلامنا يتحدث في الداخل تاركاً الخارج لمن سعى لتشويه صورة البحرين ونجح بجدارة في ذلك، ومقياس النجاح حينما يرى الخارج ما يحصل في البحرين من منظور الانقلابيين لا من منظور الناس التي تضررت إزاء محاولة سرقة بلادها، وهنا اللوم يقع على من “استهتر” بعملية إيصال الحقيقة للخارج.
في محاولة تبرئة لساحتهم يلومون الأفراد، يلقون المسؤولية على عاتق من قام بجهود فردية من منطلق حرصه ودفاعه عن وطنه، في حين أن من يضع السياسة ولديه الإمكانيات والقدرات التي “يتباهى” بها، بل يتباهى بتفوق قدراته على التفكير والتخطيط والمعلومية هو في الأساس الذي يتحمل المسؤولية.
اليوم تأتي قوى خارجية لتحدد لدولة لها سيادتها المطلقة كيف تكون إجراءاتها القضائية، يأتي الغرب ليتشرط على مملكة البحرين، وليعرب لها عن “خيبة أمله”! بدلاً من أن يعرب الناس هنا عن “خيبة أملهم” بشأن دعاة السلام والحرية والعدالة ومحاربي الإرهاب حينما يكيلون بمكيالين.
فسروا لنا ماذا فعلتم بمحتجي “وول ستريت” وماذا فعلتم بفوضى لندن، بعدها “تفلسفوا” علينا، لكن للأسف هذا الكلام لا وزن ولا قيمة له، لأننا بتنا كدولة نتأثر بهم، والتأثر ليس إلا نتيجة ضعف أداء قطاعات بعينها لم تعرف كيف تدافع عن قضية البحرين العادلة، لم تعرف كيف توصل الصورة الحقيقية، وظنت بأن الأمور هي بالتحرك في الداخل، بل بعضها مارس عمله وكأنها معركته وحده يريد من ورائها أن يبرز نفسه على أنه البطل الأوحد.
اليوم لا يفترض بأي مواطن مخلص أن يستاء من أي نتيجة. ستجدون من يفترض أن يحاكم في دول أخرى على رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا بتهم الخيانة وغيرها يتم تخفيف الأحكام عليه، بل بدلاً من تطبيق القانون تطلق دعوات مصالحة “هلامية”، كلها في اتجاه دفع الناس لنسيان ما أصابهم خلال الأزمة.
لو أنها عملية أصابت الدولة وتضررت منها وحدها لكان سهلاً على الناس القول بأن هذا حقها وإن تنازلت عنه فهي حرة، لكنها عملية أضرت بالكثيرين وطعنت البلد في مواقع عديدة، بالتالي التأخر عن تطبيق القانون أو التساهل فيه و«إرخاء” الأمور للانقلابيين والمناهضين للدولة ما هو إلا تنازل واضح.
تصل لمرحلة تقبل فيها بإجراءات مؤسفة لأنك لم تدافع بشكل صحيح عن قضيتك، لم تعر جوانب هامة أي اهتمام، وظننت بأن الإجراءات الوقتية فيها الحل دون إدراك بأن بعض الإجراءات التي تمت وكأنها ردود فعل هي التي تسببت بتغيير منحى الأمور وإيصالها لنتيجة لا ترضي بالأخص من وقف مع الدولة في مواجهة أخطر عملية انقلابية في تاريخها.
الظاهر أن هناك من يعرف أفضل مما يعرفه بسطاء الناس، الظاهر أن الحلول التي سترونها أمامكم خلال أيام هي أفضل من أية حلول أخرى، والظاهر أن هناك ترتيبات تمت بهدوء هي التي قادت الوفاق للتحدث عن حوار بدون شروط، وهي التي دفعت الوحدة الوطنية لتتحرك في نفس الاتجاه.
إنها لعبة السياسة الآن، وعلى المواطن الذي كان يتأثر بكل شيء مهما صغر فيما مضى أن يهدأ وأن يتوقع مالا يتوقعه دون عصبية أو تشنج أو إحباط.
اتجاه معاكس:
الحياة قصيرة جداً، بالتالي حاولوا أن تستثمروا كل لحظة فيها، ابحثوا عن الفرح والسعادة وابتعدوا عن مصادر الهم ووجع الرأس. أما من يريد البحث عن “العدالة المطلقة” فعليه أن يدرك بأنه لن يجدها أبداً في هذا الزمان.
لا أقول بأن على المتضرر اللجوء للقضاء، لكن على المتضرر اللجوء بالدعاء لأقوى الأقوياء.
{{ article.visit_count }}