يتحدثون اليوم عن إحصائيات حديثة لمحرك البحث (جوجل)، تظهر أن نسبة المحتويات المتوفرة باللغة العربية على الشبكة العنكبوتية لا تتعدى الـ 1% من مجمل المحتويات العالمية! لنتابع الأرقام قليلاً لأنها المؤشر الذي لا يكذب. تقول الإحصائيات أن الإنسان العربي يعطي من وقته 6 دقائق سنوياً للقراءة، أما نسبة الأميَّة الحرفية (الفعلية) تبلغ ما يقارب 30 في المئة بين المواطنين العرب. في بعض المناطق العربية تبلغ نسبة الأمية لدى النساء ما يقارب 60 في المئة (بعض الأرياف في المغرب مثالاً)، لكن لتفصيلات هذه الأرقام دلالات أخرى، فبحسب التقرير العربي الأول للتنمية الثقافية الذي أصدرته (مؤسسة الفكر العربي) في العام 2008، تبين أن منشورات الأدب والديانات بلغت 13411 عنوان كتاب، أي ما يقارب نصف الكتب المنشورة سنوياً، في حين بلغت كتب العلوم التطبيقية والنظرية نحو 3337 عنواناً فقط!!. في العالم العربي، يصدر كتابٌ لكل 12 ألف مواطن، بينما هناك كتاب لكل 500 شخص في بريطانيا، وكتاب لكل 900 شخص في ألمانيا، أي أن معدل القراءة في العالم العربي لا يتجاوز 4% من معدل القراءة في بريطانيا. ربما أُشبعتْ هذه الأرقام بحثاً، وصار الاهتمام إليها بصورة ملحوظة منذ العام 2008 وحتى يومنا هذا، لكن في المحصلة لن تتغير هذه الأرقام، وما نسبة الـ1% الأخيرة التي ذكرناها في مطلع حديثنا، إلا مؤشراً واضحاً، على إصرارنا نحن العرب، على الخروج من العصر، بل وإصرارنا الشديد للدخول في نفق الماضي. إذا استوعبنا واقعية هذه الأرقام الخطيرة، فسنستوعب لاحقاً كل المؤشرات الخطيرة كذلك، خاصة فيما يتعلق بتدني مستوى الاقتصاد والثقافة والوعي وقبل كل ذلك السياسة، فالإدراك الواعي لواقعنا في شتى الميادين، هو بمثابة الأواني المستطرقة، فكل هذه المعارف اليوم باتت مرتبطة بعضها ببعض، وأي خلل أو نقص في مسيرة الدائرة الإجمالية للمعارف المختلفة، سيؤثر تبعاً على بقية مرافق الوعي في تلكم الدائرة. اليوم، ومن خلال هذه الأرقام، بدأنا نستوعب لماذا تتجه الشعوب العربية نحو المزيد من الجهل والضياع، وبدأنا نعرف جيداً، لماذا يستشري الفساد بشتى صنوفه كالسرطان في جسد واقعنا العربي كله، وبدأنا نتأكد، لماذا يفجِّر الإنسان العربي نفسه في جموع الأبرياء، وتيقنَّا الآن، لماذا حين يدخل العربي إلى فضاءات الإنترنت العظيمة، ليس له من أمر مهم حينها، سوى أن يفتش عن أرخص المتع الجسدية، أما أطفالنا فليس لديهم سوى الألعاب، والنساء العربيات لم يستفدن من كل تلك المعارف العملاقة سوى في تزيين أجسادهن، ومتابعة آخر التقليعات والموضات وكل ما يخص عالم التسوق. حين تزداد فرص المعارف البشرية، فنأخذ منها قليل القليل، فتأكدوا أننا في أحد عصور الانحطاط الثقافي والأخلاقي، فالشعوب التي تُنتج فكراً ووعياً، وتتعامل مع العصر بأدواته، هي شعوب متقدمة ومتطورة، لأنها تتعامل مع تلك الأدوات بواقعية، أما الشعوب الكسولة والمتخلفة عن ركب الحضارة، فهي شعوب استهلاكية، تعتمد على مخزون النفط ورؤس الأموال فقط، فما أن تجفّ آبارها، سترونها أسوء حال من بنغلادش أو حتى الكونغو، ليس استعارة على تخلف تلك الدول، وإنما تأكيد على فقرها. فإن كانت الكونغو تفتقر للمال، فنحن وهذا حالنا، سنفتقر غداً للمال والمعرفة، وبهذا ستكون نهاية العرب، ومن هنا يأتي دور الصحوة من الرقاد، ويأتي دور التنوير للخروج من الظلمات، فإن لم ينفع العرب كل ذلك، فليس لهم سوى الصدمة التي ربما من خلالها يستيقظون، نقول ربما.