ناشد عدد من الدول الأعضاء في منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) بعض الأعضاء الآخرين في المنظمة بتقليص الإنتاج الزائد لوقف تراجع سعر النفط الذي فقد 30 دولاراً من سعر البرميل منذ مارس، حيث تراجعت أسعاره من 128 دولاراً للبرميل، إلى حوالي 88 دولاراً للبرميل. جاءت هذه المناشدات إثر تصريحات وزير البترول السعودي علي النعيمي الأخيرة التي أشار فيها إلى احتمال أن «يتعين على أوبك رفع سقف الإنتاج». وقد عرفت الساحة النفطية العالمية تقلبات كثيرة خلال السنوات العشر الماضية، بفضل التهاب الأوضاع، وفي بعض الحالات اندلاع الصدامات المسلحة، في بعض دولها، وعلى وجه الخصوص العربية منها.
عوضاً عن إغراق القارئ في أرقام أسواق النفط، واستقراء توجهاتها المستقبلية، برصد العوامل المتعددة التي يمكن أن تقود إلى هبوط أسعاره أو ارتفاعها، سنحاول، وهو، برأينا المتواضع، الأهم والأكثر فائدة في هذه المرحلة المعقدة على المستويين السياسي والاقتصادي في دوله المصدرة، تسليط الضوء، فيما لو، وبفعل عوامل كثيرة بدأت تطل برأسها في الآونة الأخيرة، تراجعت أسعار النفط العالمية، وهي مسألة تحذر منها العديد من المؤشرات التي تولدت في الآونة الأخيرة في السوق النفطية العالمية. حينها، بغض النظر عن نوايا الدول النفطية أو حتى الدول الأخرى الصديقة المتحالفة معها، من المتوقع أن تفرض مجموعة من العوامل المحلية أو الدولية نفسها على ساحة الدول النفطية، كي يبدو المشهد العالمي، وعلى وجه الخصوص في الدول المصدرة للنفط، على النحو التالي:
1. ارتباك في موازنات الدول الأعضاء في الأوبك، وخاصة تلك التي تشكل العوائد النفطية نسبة عالية، وربما العنصر الرئيس، من صادراتها. فبغض النظر عن الأرقام الرسمية التي توضع بموجبها تلك الموازنات التي تدعي دولها أنها حددتها بموجب أسعار منطقية تقل عن 90 دولاراً للبرميل، لكنها، أي تلك الحكومات، تضع خططها، وتصمم برامجها الأخرى، بشكل واعٍ أو غير واعٍ، اعتماداً على أسعار أخرى لنفوطها، ربما تفوق حتى الأرقام السوقية المفعمة بالتفاؤل. من الطبيعي أن يحدث الفرق بين ما هو متوقع، وما هو على أرض الواقع، وهو بون شاسع مالياً، إرباكاً حقيقياً في موازنات تلك الدول.
2. انكماش في أسواق تلك الدول النفطية، بفضل تقلص الإنفاقات الحكومية الداخلية، وهي مصدر الإنفاق الأساس في هذه السوق، جراء سياسة التقشف التي ستضطر أن تلجأ لها تلك الحكومات، التي لا تستطيع أن تكشف ظهرها للخارج، باللجوء إلى الاستدانة، من المصارف الدولية، أو الحكومات الصديقة، التي، وكما تتحدث التقرير الدولية، تعاني هي الأخرى من أزمات تشل حركتها، وتمنعها من تقديم أي شكل من أشكال الدعم أو المساندة. في الوقت ذاته، ربما لا يوجد بين تلك المنظمات الدولية المانحة، سوية مع الدول العظمى الغنية المقرضة، من يملك من الاحتياطي النقدي الذي كان يتمتع به، قبل أن تجرده منه الأزمة المالية العالمية، الذي يمدها بالقدرة على مد يد العون. بالقدر ذاته، لم تعد أموال الطفرة النفطية قادرة على ضخ السيولة الضخمة المتكررة التي باتت تلك الموازنات في أمس الحاجة لها إن هي أرادت أن تستعيد أحجامها المرسومة لها عند إقرارها.
3. شحة السيولة في الأسواق المالية، وتراجع الثقة فيها، الأمر الذي من شأنه إبطاء عمليات التداول، وتقليص أحجامها، ومن ثم تراجع أسعار أسهم الشركات العاملة فيها. ومن الطبيعي أن تكون الشركات الحكومية أو شبه الحكومية، وهي الأكبر حجماً في هذه الأسواق، والأكثر تأثيراً على مسارات البيع والشراء فيها، هي الأسرع تأثراً، والأشد عمقاً مقارنة بالأخريات.
4. التضحية بموازنات الوزارات الخدمية، على حساب تلك الأمنية والدفاعية لعدة أسباب: أولها تلك الاتفاقيات الدولية ذات العلاقة بالأمن والدفاع، التي لا تمتلك الدول النفطية الحق، ولا الرغبة في التراجع عنها، ، ناهيك عن كونها، أي تلك الدول، لا تتمتع بالجرأة المطلوبة حتى على مجرد التغيير في بنودها، وخاصة في مجال التقليص، أو تأجيل السداد. أما ثاني تلك الأسباب، فهو القدرة على تأجيل الكثير من مشروعات الوزارات الخدمية، دون الحاجة لتبرير ذلك، نظراً لتدني معايير الشفافية من جانب، وبفضل اتساع قنوات الصرف التي تبيح تمويه التقليص، أو إخفاء التأجيل. يشجع على كل ذلك انعدام نظام ضريبي متكامل راسخ، يبيح للمواطن الاحتجاج، ويرغم الحكومات على عدم التضحية، ويضع الاثنين على قدم المساواة من حيث الحقوق والواجبات.
5. تعثر برامج بعض المؤسسات الدولية، وعلى وجه الخصوص الإقليمية، مثل جامعة الدول العربية، أو المنظمات المنبثقة عنها ، مثل «الأليكسو»، نظراً لتأخر وصول سداد الدول الأعضاء فيها لالتزاماتهم المالية، الأمر الذي يضع تلك المنظمات الإقليمية أمام خيارات صعبة، من بينها تسريح بعض صغار الموظفين، لأن الأمر لن يطال الكبار منهم لكونهم جزءاً من صنع القرار، أو التضحية ببعض البرامج التنموية، بما فيها تلك ذات الطبيعة الحيوية والاستراتيجية في برامج الدول ذات العلاقة. هذا بدوره سينعكس سلباً على أسواق تلك الدول التي تنتظر ضخ أموال تلك المشروعات في أسواقها.
6. توقف، وفي أحسن الأحوال، إعادة جدولة، بعض المشروعات الحيوية، في البلدان المتلقية للمساعدات أو القروض من الدول النفطية المانحة لتلك القروض، نظراً للتراجع في دخول هذه الأخيرة، التي لم يعد في وسعها تنفيذ مشروعاتها الذاتية، فما بالك بالقدرة على مساعدة الآخرين. وإذا تحدثنا عن الأوضاع في البلاد العربية، وأخذنا بعين الاعتبار مرحلة إعادة خلط الأوراق التي تمر بها المنطقة العربية، فمن الطبيعي، والمنطقي أيضاً، أن تتأثر المساعدات التي نتحدث عنها بالتحالفات السياسية المتوقع انبثاقها في ضوء النتائج التي ستتمخض عنها صراعات انتخابات الرئاسة في الساحة المصرية، وما ستؤول له المعارك الضارية المحتدمة بين مختلف القوى فوق سوريا، على سبيل المثال لا الحصر.
هذه هواجس مختلفة الأوجه، مصدرها نفطي، لكن ألوان طيف انعكاساتها متعددة، وكما هو واضح أعلاه، لن تكون محصورة في السوق النفطية، بل سيتسع نطاقها، كي يشمل الجوانب الاقتصادية، والسياسية أيضاً. أخطر ما فيها، أن القرارات من أجل الحد من تأثيراتها السلبية، ليس في أيدي الدول النفطية وحدها، إذ تشاركها فيه دول أخرى، ترتبط مصالحها مع إبقاء أسعار النفط عند سقوف معينة، لا تستجيب بالضرورة لمصالح الدول المصدرة للنفط، وهذا ما يضاعف من مخاطر تلك الهواجس، ويقتضي الانتباه لها، ووضع الحلول التي تقلص من تداعياتها، وربما السبل التي تحول دون وقوع مسبباتها، ومعالجة الدوافع التي تثير عوامل انبثاقها
{{ article.visit_count }}
970x90
{{ article.article_title }}
970x90