استوقفني مشهد عند بداية الكتابة، في فيلم “الجمال الأمريكي” يعرض المخرج مشهداً بسيطاً وهو تفرج شاب وشابة على كيس يتطاير في الهواء؛ وانعكاساً للحالة المجتمعية الأمريكية، فلو كان آخر لما شاهد هذا الكيس السخيف وهو يتطاير، فهو لا يعبر عن حالته بعكس ما يرمز لحال الأمريكي الذي أصبح عبداً لأجهزة التحكم الفكرية الخفية المتعددة.
اليورو لا يخلو من المشاهد الرمزية التي تستحق التأمل، فنحن لا نشاهد مجرد لاعبين يلعبون كرة قدم فقط، فالبطولة بزخمها الهائل من تعدديتها وثقافاتها بها مشاهد يستحق المشاهد أن يقف عندها.
عندما نرى جمال تنوع الجماهير في كل مباراة، عندما نرى حفل ما قبل المباراة البسيط، نرى من هذه البطولة تصدير فكري عصري رائع جداً لثقافات القارة الأوروبية.
شاهدنا المشجع الكرواتي الذي يرفع المايكروفون للجماهير الإيطالية حتى يرتفع هديرهم بنشيد وطنهم، ومن هو إسباني وزوجته إيطالية، فهي بالقميص الأزرق وهو بالأحمر، وإن دل ذلك على الثقافة الأوروبية والتي اقتبستها الدول في تكوين أفضل تجارب الاتحاد وهو الاتحاد الأوروبي.
وعندما نشاهد حفلاً ما قبل كل مباراة، فنرى تصدير وإظهار الثقافة بشكل كله ذكاء ولفت نظر يصفق له، وبعد سلاح الإعلام الذي أصبح كاليورانيوم بعد انتهاء التسعينات، الآن كل الدول والثقافات أمام فرصة للتحكم ودحض حبر مجتمعها على الساحة الإعلامية، فكما تحبذ روسيا الصيف ونحن الشتاء، فالفكر كذلك كما هو، ليس مطلقاً، متأثراً، مقتبساً وكله قابلية للتجديد، وهذا هو سلاح العصر الحديث وليس الكلاشنكوف، تصدير الأفكار هو أهم، في السياسة لنا العديد من أيديولوجياتها، وفي الكرة بعض منها كاللعب الشامل والكاتاناتشيو، كلها أفكار تستهدف من يضعها في رياضها بعناية، حتى يضرب ويعصف بمن يريد بعد ذلك.
فما نشاهده من مشاهد رياضية لا تقتصر على المهارات البدنية، بل تستحق تأويلاً، حتى نأخذ الفكرة بكل مرونة، ونقوم بصقلها وإزالتها من شوائبها السلبية من ثم نستفيد نحن منها، فنحن من يقرر السلبية من الإيجابية، نعم نحن من يقرر اتخاذ اليابان كقدوة في عصابات الياكوزا أو في إنسانيتها وعبقرية استغلاليتها.
التأويل ميزة بل أقرب لأن تصنف كحاسة يتفرد بها الإنسان عن غيره بها، ترى مشهداً فيكون هذا المشهد مجرد باب لكي تدخل وترى باندهاش الحقيقة هي التي خلف الباب، وسترى العالم الحقيقي الذي تستحقه أنت!
وهو التأويل هكذا رحيماً..