المحكمة التي برأت تسعة أدانت تسعة وثبتت عليهم جرائمهم، والإدانة لم تتم من خلال الاعترافات؛ بل تم ثباتها بأدلة مادية، كما لم تتم إدانتهم لأنهم (قالوا أو عبروا عن رأي) كما لم تتم إدانتهم لأنهم عالجوا مصابين، تمت إدانتهم لأنهم قيدوا مصابين واحتجزوهم أسرى وحققوا معهم وأهانوهم وازدروا طائفتهم، وحاولوا تغيير نظام الدولة بالقوة وبالعنف، وهي جرائم مدانة في كل دول العالم وأولها الولايات المتحدة الأمريكية. فقد أدين المدعو علي العكري بمحاولة تغيير النظام السياسي للدولة بالقوة وبوسائل غير مشروعة (توصيف الجريمة في جريدة الوسط)، كما أدين المدعو غسان ضيف بحجز وتهديد أشخاص دون وجه حق، وأدين بحجز رجال أمن والتحقيق معهم، وأدين بالتحريض على ازدراء طائفة وبغضها (توصيف الجريمة في جريدة الوسط)، وأدين محمود أصغر عبدالوهاب وباسم أحمد ضيف وإبراهيم عبدالله ونادر ديواني بأنهم دعوا ونظموا مسيرات غير قانونية وروجوا لتغيير النظام السياسي بالقوة، كما أدينت المدعوة ضياء جعفر بالترويج لقلب النظام السياسي بالقوة وقامت بإتلاف منقولات وأوراق مملوكة لمجمع السلمانية عمداً، وأدين المدعو سعيد السماهيجي بحجز وتهديد رجال أمن والتحقيق معهم، وأدين بالتحريض والازدراء لطائفة معينة علانية. الخلاصة.. سنكتفي بما أدين به هؤلاء الأشخاص ولن نتطرق لجرائم نعرف ضحاياها بالاسم تم تجاهلها كإهمال علاج مرضى تعمداً وقصداً، وبعضهم توفي وبعضهم تم تهريبه للمستشفى العسكري خوفاً من إرهاب وعنف مورس ضدهم، سنقول إن تلك الجرائم كانت وهماً من خيال ضحاياها، وأن أسماء هؤلاء الضحايا هم شخصيات كارتونية، سنكتفي بما أثبتته النيابة العامة وبما حكمت به المحكمة. هناك كادر طبي -نكرر طبي- قام باحتجاز أشخاص في المستشفى وهددوهم وحققوا معهم، ومنهم رجال أمن وهم مصابون ولجؤوا للمستشفى للعلاج. سنكتفي بما أثبتته النيابة العامة بأن هؤلاء حاولوا وبالقوة تغيير النظام السياسي في الدولة، هذا ما ثبت ليقين المحكمة بالأدلة المادية وبشهادة الشهود لا باعترافات المتهمين، وبمحاكمة حضرها كل سفراء الدنيا ومنظمات حقوق الإنسان، لنخلص في النهاية إلى أننا لم نكن نتوهم بأن هناك جرائم تقع في مستشفى السلمانية في شهري فبراير ومارس، ولم نكن نتوهم بأن هناك (أسرى) يتم احتجازهم في مستشفى السلمانية، ولم نكن نتوهم بأن هناك محاولات تجري لتغيير نظام الدولة السياسي بالقوة وبالعنف من قبل قادة الدوار وبمساعدة أطباء. الآن وبعد إعادة محاكمة هؤلاء ثبت أن كل تلك الجرائم ثابتة وموثقة وارتكبها المتهمون التسعة واثنان آخران هاربان. علينا بعد ثبوت الإدانة أن نفرق بين الإدانة وبين الحكم، فالإدانة هي ثبوت التهمة؛ أي أن هناك جريمة وقعت، وأن المتهم المدان هو من ارتكبها، ألم يقولوا إن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، وهاهي إدانة هؤلاء التسعة ثبتت ولم يعودوا أبرياء. أما الحكم فمسألة منفصلة عن الإدانة وهي قضية مفتوحة ومتروكة للقاضي كي يتدارس الأمر ويفحص الظروف والملابسات التي وقعت فيها الجريمة ليقرر وفق اختصاصاته إن كان سيغلظ العقوبة أم سيخفف منها، وفي كل الأحوال هو ملتزم بحد أدنى وبحد أقصى في التغليظ والتشديد وفق ضوابط النص القانوني. والثابت أن الإدانة وقعت والإدلة ثبتت وأن المتهمين ارتكبوا فعلاً تلك الجرائم، وهي جرائم لا علاقة لها بمعالجة مصابين، وهي جرائم يندى لها الجبين ويستحي من ارتكبها أن يواجه ربه، إنما بعد الإدانة خرج الأمر من النيابة العامة وبقي الأمر في يد القضاء. وتغيير الحكم تخفيفاً لا يعني أن الإدانة انتفت أو تغيرت، بل تعني أن القاضي ارتأى وفق اختصاصه تخفيف العقوبة رغم ثبات التهمة، وارتأى تخفيف العقوبة رغم ظرفها المشدد، وارتأى النزول إلى ما بعد الحد الأدنى مما نص عليه القانون، وهنا لا نملك أن نقول بخصوص الأحكام الصادرة بحق من ارتكب هذه الجرائم الفظيعة إلا.. لا تعليق.. احتراماً للقضاء ومنزلته. فليخرج من يخرج وليرقص من يرقص؛ إلا أن الإدانة ستظل وصمة عار في جبين من صدرت بحقه وثبتت عليه، وهي حكاية لأطباء خانوا عهدهم وميثاق شرفهم، حكاية سننقلها ونرويها لأجيالنا القادمة ولأحفادنا، ولا يهمنا ما سيصدره المجلس التأديبي من عدمه، فلا ندري حجم التدخلات في هذا المجلس إلا أن ما يهمنا أنه قد حصحص الحق وثبتت الإدانة ولم تكن جرائم السلمانية وهماً. الكلمة الثانية سنوجهها للتصريح الأمريكي الذي قال «خاب أمله» نتيجة هذه الأحكام!! وهذه مقالها غداً..