تبدو مسألة وحدة التيار اليساري ملحةً ومطلوبةً اليوم أكثر من أي وقت مضى، خصوصاً في ظل الأوضاع السياسية المضطربة التي تعيشها البلاد، والنداءات المستمرة من قبل المخلصين بسرعة الدخول في حوارٍ شاملٍ ذي مغزى للخروج من الأزمة السياسية الخانقة. وللعلم فإن “اليسار” عبارة عن مصطلح يمثل تياراً فكرياً وسياسياً يسعى لتغيير المجتمع إلى حالةٍ تتعاظم فيها المساواة بين أفراده، ويرجع أصله إلى الثورة الفرنسية عندما عمد عموم من كان يجلس على اليسار من النواب إلى تأييد التغيير الذي تحقق عن طريق الثورة الفرنسية، والمتمثل بالتحول إلى النظام الجمهوري والعلمانية، ولايزال ترتيب الجلوس نفسه متبعاً في البرلمان الفرنسي حتى الآن. وبمرور الوقت، تشعّب استعمال المصطلح بحيث أصبح يغطي طيفاً واسعاً من الآراء لوصف التيارات المختلفة الساعية إلى تغيير المجتمع، فاليسارية في الغرب تشير إلى الاشتراكية أو الديمقراطية الاشتراكية أو الليبرالية الاجتماعية في أوروبا والولايات المتحدة، بينما تأتي اليسارية في معظم دول الشرق الأوسط اليسارية مرادفة للعلمانية والتقدّمية. وقد لعبت القوى اليسارية في البحرين دوراً محورياً ومؤثِّراً في مسيرة النضال السياسي، قبل مرحلة الاستقلال الوطني وبعدها، وكانت ميزتها الأساسية في قدرتها الفائقة على النأي عن التأثيرات الفئوية والمذهبية في المجتمع، فلم يكن اليساري أحياناً يدرك الطائفة التي ينتمي إليها، أو يهتم بذلك أصلاً، ولذلك كان تأثير اليساريين في وعي الجمهور في عقديّ الستينيات والسبعينيات ملحوظاً وإيجابياً، حيث تمكّن بعض المرشّحين لأول انتخابات تشهدها البلاد عام 1973 من الفوز في دوائر انتخابية يقطنها جمهور مغاير تماماً من حيث الانتماء المذهبي. غير أن هذا الوضع شهد تغيراً واضحاً بعد الأحداث المؤلمة التي عصفت بالوطن في العام الماضي، فوجدنا بعض القوى اليسارية تصطف إلى جانب التيارات المتشددة بدلاً من التفكير في التوحّد مع مثيلتها من التيارات الديمقراطية، ووجدنا التفكير المشبّع بصبغة التخندق الطائفي يخترق صفوف بعض الجمعيات المحسوبة على اليسار، الأمر الذي يستوجب من القوى اليسارية التفاوض بشأن أفضل الخيارات المتاحة لتحقيق وحدة صفوفها بما يعزِّز اللحمة الوطنية.