يتردد بأن جمعية تجمع الوحدة الوطنية تحركت إزاء الخطب التحريضية الأخيرة ووصلت إلى المعنيين بالسفارة الأمريكية لإيصال استياء المخلصين من أبناء البحرين بشأن هذا التحريض الواضح، معربة عن استيائها أيضاً من الدعم الأمريكي الصريح لمن يقومون بهذه الأفعال التي مازالت تدق “إسفيناً” خطيراً في جسم البحرين.
يتردد أيضاً بأن الأمريكان أعربوا عن استيائهم من الخطاب الأخير لأمين عام حزب الله البحريني وتواصلوا معه لإيصال هذا الاستياء.
في خلاصة المسألة كلها نسأل الأمريكان تحديداً: وماذا بعد؟! والأهم: ماذا تريدون بالضبط من البحرين؟!
نعرف تماماً أن هناك دعماً أمريكياً كان موجوداً لمن أشعلوا فتيل الأزمة في البحرين، وأن هناك استشارات عديدة صدرت بشأن كيفية النجاح في إسقاط النظام من قبل هؤلاء. ونعرف أن البوصلة تغيرت اليوم، وأن توجيهات الأمريكان لمن يدعمونهم اتجهت لدفعهم بالقبول بدخول حوار غير مشروط يضم كافة أطياف المجتمع.
لكن الموقف الأمريكي يبقى ناقصاً، خاصة حينما لا يتسم بالوضوح، في ظل تصريحات إعلامية في سياقها العام عن العلاقة الوطيدة مع البحرين، في مقابل تدخل سافر في سيادة البحرين وتطبيقها للقانون.
يفرض الأمريكان رؤيتهم علينا ويقولون يجب ويجب ويجب، في حين ينتفضون غضباً لو أدان العالم برمته موقفهم بشأن قضية الشرق الأوسط، ولو دان العالم الجرائم التي تمت في معتقلات جوانتانامو وأبو غريب أو سياسة اللعب في مصائر الشعوب بدعوى محاربة الإرهاب وإرساء دعائم السلام.
للبحرين سيادة يجب أن تحترم، وفي البحرين قنوات شرعية تمثل الحكم هي من يجب أن تتواصل معها الدول، لا أن تقوم باجتماعات مشبوهة تحت ذريعة التواصل مع مؤسسات المجتمع المدني، يتضح بعدها أنها تتم مع جماعات انقلابية بعينها، في حين لا اهتمام أو اكتراث برأي مؤسسات المجتمع المدني الأخرى.
سألنا مراراً الجهات المعنية في البلد عن دور السفارة الأمريكية وما هي مهمة سفير الدولة الصديقة لدينا بالتحديد. هل هو يمثل بلده في الجوانب الدبلوماسية، أم دوره محصور في دعم وتوجيه عناصر التأزيم وجمعيات الانقلاب؟!
الولايات المتحدة أرادت إحداث تغيير جذري في البحرين، سعت عبر دعمها لهؤلاء إلى إسقاط النظام، لكنها انصدمت بواقع ينم عن عدم دراية بالوضع البحريني طبعاً بناء على التقارير المغلوطة الصادرة عن سفارتها بالمنامة، فوجئت بوجود مكونات كبيرة في البحرين ترفض ما حصل جملة وتفصيلاً.
اليوم تتغير المعادلة فيأتي الحوار وكأنه الخيار الأوحد، ويتحول خطاب المؤزمين إلى النقيض عبر القبول بحوار “غير مشروط” يضم جميع الأطياف.
طيب لو سلمنا بأن الحوار هو الحل الذي تراه “سيدة العالم” أمريكا، فهل بإمكانها أن تضمن سلوك من تدعمهم حينما يدخلون حواراً جديداً يضم المكونات التي تختلف معهم؟! هل تضمنون قبولهم بما تصل إليه الأغلبية من نتائج؟!
هم أفشلوا مساعي الحوار الأول، وهم من انسحبوا من الحوار الوطني الذي أقيم عندما لم يتحملوا الاختلاف مع بقية المكونات من منطلق حقيقة يجب ألا يغفلها البيت الأبيض نفسه باعتبار أنه لا يحق لطيف أن يختزل شعباً بأكمله في أهدافه.
اليوم إن أفشلوا أي حوار يقام، وهو المتوقع لأنهم لا يتحملون قبول الاختلاف، هل ستعيد واشنطن نفس الإسطوانة وتكرر وتقول “الحوار والحوار والحوار”؟!
إن كان خطاب أمين الحزب الإرهابي قد أثار استياءكم، عليكم بالتالي أن تفسروا لنا “لغزاً عجيباً غريباً” هنا، إذ هم يدعون سعيهم لوجود دولة مدنية قائمة على التعددية، لكن في الوقت نفسه يقر متحدثهم بأنهم جميعهم يأتمرون بأمر رجل واحد، حينما يقول بأنه عبر “فتوى دينية واحدة” يمكنه تحريك الناس هنا أو هناك؟!
أهذه الدولة المدنية المنشودة؟! دولة صورية عبر وجود أجهزة عديدة، لكن القرار الأول والأخير بيد إنسان يقرر ما يشاء حسبما يريد؟!
إن كنتم تريدون تعزيز الديمقراطية في البحرين، وإن كنتم تريدون دولة مدنية بالفعل، عليكم أولاً التخلي عن سياسة “القطيع”، ترك سياسة “إلجام” البشر وتحديد خياراتهم بدلاً عنهم.
أمريكا تريد البحرين أن تتحاور مع الإرهاب، في الوقت الذي لم تفكر هي للحظة أن تتحاور مع بن لادن وجماعته، بل وصلت إلى كهوف أفغانستان وقتلته وأعلنت ذلك على الملأ.
عموماً، بالتوفيق لمن يريد أن يتحاور مع الإرهابيين، امنحوهم فرصة جديدة، وفروا لهم مساحة من الوقت حتى يلملموا صفوفهم ويعيدوا الكرة مجدداً.
{{ article.visit_count }}