تستمر أحداث شغب الملاعب الأوروبية مع استمرار إثارة المباريات، فكل عام نشهد ظاهرة وحدث يبقى طويلاً في أنفاس الإعلام، فأين السبب، هل في صراع المجتمع الأوروبي مع حضارته؟
مؤخراً شهدنا أعمال شغب الجماهير الروسية، التي جعلت من الاتحاد الروسي يشجب وبشدة أعمال العنف من قبل مشجعي منتخبه المشارك في اليورو، ودعاهم للتصرف بطريقة مسؤولة، وذلك بعد تغريم لجنة الانضباط في الاتحاد الأوروبي روسيا بمبلغ 120 ألف يورو، وتجدر الإشارة إلى أن الاتحاد الأوروبي أعلن أيضاً أن لجنة الانضباط عاقبت روسيا بحسم 6 نقاط “مع وقف التنفيذ” في حملة التصفيات المقبلة لكأس أوروبا 2016.
كان يجب توقع كل ذلك بحسب فطرة المجتمع الأوروبي، وهو المجتمع التابع للقارة التي تعرضت لزخم من الأحداث والمواقف التاريخية بدءاً من النهضة الأوروبية والثورة الفرنسية والصناعية والحروب العالمية وانفصال دولها وما تلاها من أسباب كالشخصيات الشهيرة الكثيرة جداً التي كان لها الأثر الأبرز في هذا الانعكاس على الشعوب الأوروبية، فسيكون من الجهل لو اتخذت البطولة الأوروبية بأنها مجرد كرة قدم، فالحضارة الأوروبية تكتب حتى في المسابقات الكروية، كلها أحداث منعكسة للتاريخ، متعة التاريخ لا تقتصر على ماضيه، بل على حضوره حتى، الأحداث التي تحدث مؤسفة فعلاً، و لكنها لغة التاريخ، فمن الطبيعي أن يحدث كل ذلك، ولا نستبعد أحداثاً عقب مباراة بولندا وألمانيا “لو تلاقى الاثنان” انعكاساً لأفعال هتلر البشعة ضد البولنديين، ولا نستبعد حرباً آيبيرية جديدة بين الإسبان والبرتغال إذا تأهلت الأخيرة، فاليورو لا يتكلم فقط بلغة كرة القدم.
عندما وصلت لهذا الحرف تذكرت فقرة قالها أنيس منصور في كتابه “وآخرتها؟!” لابد أن أحكيها لكم حتى تشاهدوا الصلة التي يربطها التاريخ بنا وإن كنا نرفضه .. يقول منصور “ففي محاكمات مجرمي الحرب .. الألمان في نورمبرج اعترفوا بأنهم كانوا ينفذون الأوامر التي تأتي من فوق أي إن المجرم الحقيقي (هتلر) ليس هو الموجود في المحكمة وإنما قد اختفى بالموت”
أي إن المبادئ والجذور بكافة الأطياف باقية وإن كانت للحداثة أثر، بما معناه أنك لا تستطيع محاكمة الروس لأعمال شغبهم بسبب ما ورثه ستالين لهم، ولا الألمان لما ورثته الاشتراكية لهم، فعليك أن تستسلم بالصمت حتى تنتصر، لأن ولحد الآن لم تستطع أي شخصية الانتصار على التاريخ!
وهكذا هو التاريخ .. ثرثار ولن يصمت أبداً!