سألنا السفير الأمريكي الجديد كرايجيسكي أكثر من سؤال منذ استلامه منصبه الجديد، ولكنه يأبى الاستجابة إلا لو كانت التساؤلات تأتي من جانب حزب الله البحريني أو صحيفته الطائفية، باعتبار أن هؤلاء هم «الأصدقاء الجدد» للولايات المتحدة، وهم «أبطال» مسلسل وثائق «الويكيليكس» التي كشفت ارتباط السفارة الأمريكية في البحرين بهؤلاء وعلاقتهم بمخطط التغيير والانقلاب في بلادنا، الوثائق التي قالت بشأنها مساعدة السفير «لا تعليق»، وبالتأكيد لا تعليق لأن التعليق يؤكد ضلوعكم في هذه المؤامرة.
لن ننتظر جواباً من السفير، لأنه أصلاً مشغول لا بأداء مهامه الدبلوماسية، بل بالتخطيط مع الانقلابيين لوضع الخطط البديلة بعد أن فشل المخطط الانقلابي الأول، خاصة مع إدراكه بأنه يتحرك في البحرين بحرية أكبر من تحركه في بلده نفسها.
واشنطن تعلن دائماً بشأن البحرين أنها تدعم حرية التعبير وتصر على ضمان حقوق الناس في الكلام بحرية، ومن هذا المنطلق أستند في ما أقول، إذ من حق كل مواطن بحريني أن يتحدث بحرية، خاصة إذا تعلق الأمر بالحديث عن بلده وبالأخص حينما يتدخل سفير دولة أجنبية في شؤوننا الخاصة ويتحول إلى «جنرال احتلال» بدلاً من سفير يعزز الدبلوماسية بين البلدين، وليس مقبولاً من واشنطن الزعل، بل المفروض عليها دعم الحريات أياً كانت، أليس كذلك؟!
قامت السفارة الأمريكية بالاحتجاج مرات سابقة على كتابات وآراء انتقدتها في تناقض صارخ لما تدعيه وتستميت من أجله واشنطن في شأن ضمان حريات الناس حتى لو كانت تتحدث عن دولة صغيرة خارج المجرة الكونية!
من حقنا كبحرينيين حينما نرى مثل هذه الممارسات من قبل «أجانب» على أرضنا، عملهم ينحرف عن عملهم الأصلي المفترض أن نتكلم ونتحدث وألا نسكت، وأن ننتقد ونحاسب من المفترض ألا يسكت «رسمياً» على أفعالهم.
وزارة الخارجية التي نقرأ لها بيانات عديدة في مجالات شتى، بل لا تتوانى عن الرد الصريح والمباشر على إيران بشأن كل تصريح تصدره الأخيرة يمس البحرين، مازلنا لا نرى للوزارة موقفاً حازماً مع ممارسات السفير الأمريكي، مازلنا نقرأ فقط كلاماً يصدر في الإعلام. يا جماعة نريد أفعالاً، الناس باتوا لا يعرفون أين «يصرفون» هذا الكلام، وباتوا يجزمون بأنه يدخل في أذن السفير اليمنى ويخرج من اليسرى، كون الأخير مازال يقوم بما يقوم به من تدخلات سافرة، تعقبها زيارات لمسؤولين أمريكيين يقيمون مؤتمرات صحفية «فردية» لا يتحدثون فيها عن العلاقات البحرينية الأمريكية، بل يتحدثون فيها عن البحرين ولا شيء آخر، وكأن الاستعمار الأجنبي عاد وهاهو «الوصي الأبيض» يأتي ليحدد لنا خياراتنا ويصدر أوامره ويفترض بالدولة أن تطيعه.
الدولة لديها خلل كبير في هذا الجانب، تصر على أن «الأمور طيبة» وأن «العلاقات متميزة»، بينما الواقع يقول بأن السفير وغيره من المسؤولين الأمريكيين الذين يحضرون للبلد يستخدمون كلام «الدبلوماسية» حينما يتحدثون مع المسؤولين في البحرين فقط، بينما يتحولون لمخزن أفكار انقلابية وثورية حينما يلتقون جماعات التأزيم وعناصر الانقلاب.
حتى السلطة التشريعية (البرلمان) التي يفترض أن تدرك بأن صوتها مسموع دولياً باعتبارها تمثل جهة ذات تأثير انتخبت من الشعب، حتى هذه السلطة مقصرة في جانب اتخاذ موقف بشأن هذه التدخلات السافرة في شؤوننا، والتي تتم -وهذه هي المصيبة- أمام أعيننا وفوق أرضنا.
الآن وبعد أكثر من عام تأتي الكتل النيابية لتقول بأنها «ستخاطب السفارة الأمريكية بشأن تدخلها السافر في الشأن البحريني»!
لحظة حتى نفهم ونستوعب، ستخاطبونهم وستقولون لهم إننا مستاؤون منكم؟! طيب، وبعدين، ماذا يفترض أن يحصل؟! قطيعة قصيرة مثلاً، بعدها لقاءات يقوم بها السفير مع رؤساء بعض الكتل والجمعيات -كعادته- للأخذ بالخواطر «والله لا يجيب الزعل»؟!
بل اسمحوا لي أن أقول بأنها «كارثة» حينما يقول نائب أياً كان مع الاحترام الشديد له: «آن الأوان لأن يكون للبرلمان دور واضح وقوي، ولا نكتفي بالاقتصار على إصدار البيانات التي أصبحت ممجوجة»!
لحظة «أخرى» لو تكرمتم، فلابد أن «نهدأ» حتى نستوعب، خاصة وأن الكلام بدأ «يغزر»، تقولون «آن الأوان»؟! يعني تقصدون بأنه الآن «آن الأوان»؟! مسامحة يا جماعة، أين كنتم منذ أكثر من عام لتدركوا بأن «الأوان» يفترض أنه «آن» منذ أكثر من سنة وليس الآن ليكون هناك تحرك نيابي إزاء ما يفعله المسؤولون الأمريكان وما يصدر عن السفارة من أدوار مشبوهة؟! الآن فقط استوعبتم بأن البرلمانات لا تكتفي بإصدار «بيانات ورقية» تنشر في الصحف، بل عليها دور أكبر عبر تحويل هذا الكلام المطرز إلى أفعال حقيقية على الأرض؟!
كل ما نقرأه في وسائل إعلامنا بأن النواب يستنكرون، أو أنهم يطالبون. طيب سؤالنا «ماذا أنتم فاعلون»؟! هل تأدية الدور عبر التصريح وإصدار البيانات أم استخدام الأدوات كلها لتحريك الأمور بشأن هذه الممارسات.
يمكنكم أن تضغطوا على وزارة الخارجية، بأن تطالبوها بإجراءات واضحة وصريحة ويمكن قياسها لا مجرد بيانات إعلامية تتحدث عن الدبلوماسية، العلاقات بينما الحقيقة شيء آخر. يمكنكم -لو أردتم- أن تطالبوا بترحيل هذا السفير بناء على دوره المشبوه وما يقوم به. بل ألستم من وضع قانون التجمعات والمسيرات؟! بالتالي من حقكم أن تخرجوا في مسيرات «سلمية» أمام السفارة الأمريكية لتطالبوا بوقف تدخلاتها في شؤوننا الداخلية وأن تصلوا بمطالبكم حتى لتغيير السفير. وطبعاً «حامية» الحريات و«صائنة» العدالة البشرية واشنطن ستستمع لكم -المفروض- مثلما تستمع لغيركم.
يأتينا شخص مثل بوسنر ليتحدث عن البحرين وكأنها «قطعة أرض» تابعة لبلده، يوجه أوامره ويصدر تعليماته وتوصياته ويرحل، تنتظر موقفاً من الدولة فلا تجد غير «الهدوء»، تنتظر موقفاً من السلطة التشريعية فتجدها كمن أفاق من سبات طويل ليقول بعد خراب البصرة بأن «الآن آن الأوان»!
لا يا جماعة «العجلة من الشيطان» لو تنتظرون «شوية» أكثر، يكون أحسن!
{{ article.visit_count }}
970x90
{{ article.article_title }}
970x90