عقد مؤتمر أمن الخليج: الحقائق الإقليمية والاهتمامات عبر الأقاليم بتعاون مشترك بين مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة والمعهد الملكي للخدمات المتحدة للدراسات الأمنية والدفاعية المعروف اختصاراً باسم “RUSI” وذلك في 12-13 يونيو 2012. ولقد كان المؤتمر حافلاً بكافة الأنشطة والمشاركات، فمن حيث المشاركون حضر الجلسة الافتتاحية لفيف من الشخصيات البارزة من ذوي المسؤولية وفي مقدمتهم وزير الداخلية ووزير الدولة للدفاع ومستشار جلالة الملك للشؤون الثقافية وأمين عام مجلس التعاون الخليجي فضلاً عن شخصيات سياسية وأكاديمية ورجال دين وإعلاميين وصحافيين وعسكريين وغيرهم. من ناحية محاور المؤتمر فإن أعماله ركزت بصفة أساسية على دور الولايات المتحدة وبريطانيا في ترتيبات أمن الخليج اليوم وغداً، والتطورات الإقليمية وأثرها في التعاون في مجال الدفاع، والإسلام السياسي ومغزى بروز أيديولوجيته، والتوترات الطائفية في العراق وسوريا وأثرها على الإقليم، والتعامل مع إيران كزعيم متطلع للطموح وكمنافس واضح، والاتجاهات في التعبئة السياسية، ودور الدولة والفاعلين من غير الدول في استخدام الإعلام الاجتماعي للتفاعل مع الجمهور والمجتمع. وشارك في المداولات عبر آليات المؤتمر خبراء وأكاديميون وسياسيون وإعلاميون بتقديم تصوراتهم حول المحاور المطروحة على المؤتمر، كما شارك عبر عملية النقاش مختلف الحاضرين في المؤتمر بطرح الأسئلة والتعليقات والمداخلات العامة. ولقد كانت الأطروحات مكثفة، والمداخلات ثرية، والباحثون متخصصون، ورغم أن أعمال المؤتمر استمرت على مدى يومين، فإنه يبدو أن الوقت لم يكن كافياً، سواء لمداخلات المشاركين الرئيسيين من المنصة، أو المتفاعلين معهم من الحضور، حتى أن بعض مديري الجلسات كان يقاطع المتحدث أكثر من مرة وربما يعبر ذلك عن مفهوم غير سليم في إدارة الجلسة، أو خبرة غير كافية من مدير الجلسة، وفي نفس الوقت فإن المتحدث كان ينبغي أن يكون معروفاً لديه مقدماً أن مداخلته سوف تستغرق عدداً معين من الدقائق، ومن ثم يلتزم بذلك دون تجاوز حتى لا يحدث تدخل من مدير الجلسة عدة مرات ويُقاطع المتحدثين بطريقة غير لائقة. ولا شك أن المناقشات والمداولات الكثيرة لا يمكن تناولها في مقال ولذلك نذكر فقط بعض الملاحظات كالآتي: الأولى: حرص إدارة مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة على إشراك جيل الشباب من الباحثين في المركز في المداولات، وهذا عمل إيجابي لبناء هذه الكوادر من الباحثين وتعويدهم على المشاركة الفاعلة، وتدريبهم على أسلوب التحاور والنقاش ومنهج العرض في مثل هذه المؤتمرات المهمة. الثانية: حرص المركز على الاستفادة من الكوادر الإدارية به في ترتيب الاستقبال والعلاقات العامة والتسهيلات وغيرها من الأعمال اللوجستية، وعدم الاتجاه للشركات المتخصصة، وأنا من معرفتي بالمركز القديم والجديد أعرف أن لديه خبرات إدارية متميزة ولذلك شعرت بالسعادة لمشاركتهم ليس فقط توفيراً للنفقات ولكن لإيماني العميق بأن البحرين مليئة بالكفاءات والخبرات العلمية والعملية والإدارية المتميزة ومن الضروري إعطاؤها دورها وحقها في إبراز ما تتمتع به من كفاءات. الثالثة: تواجد رئيس مجلس أمناء المركز بصورة مستمرة في الجلسات من بداية المؤتمر حتى نهايته وقد مثل ذلك إرهاقاً له، ولكنه حرص على الاستماع لكافة المداخلات فضلاً عنه مداخلته الرئيسة في جلسة الافتتاح. الرابعة: المداخلات بالغة الأهمية من كبار المشاركين مثل وزير الداخلية الشيخ راشد التي اتسمت بالمصداقية والصراحة والشفافية، كذلك أمين عام مجلس التعاون لدول الخليج العربية الدكتور عبد اللطيف الزياني ورؤيته الاستراتيجية ذات الأبعاد الخمسة ، فضلاً عن الملاحظات والإدارة للجلسة الافتتاحية من قبل مدير الدراسات الدولية في المعهد الملكي لدراسات الدفاع والأمن الدكتور جونثان آيل “Eyal”. وبالطبع، الملاحظات السريعة من الأدميرال قائد القوات البحرية في الأسطول الخامس الأمريكي في البحرين، ناهيك عن الصراحة والجرأة في كلمة الأستاذة سميرة رجب وزيرة الدولة للإعلام . وهكذا كانت الجلسة الافتتاحية مؤشراً على توجه المؤتمر في جلساته المغلقة. الخامسة: حول الجلسات المغلقة سمعت الكثير من التعليقات خاصة من بعض السفارات المعتمدة في البحرين والتي كما قال لي أكثر من سفير أجنبي إنه كان يهمهم أن تحضر سفاراتهم الجلسات للتعرف على ما يدور في المؤتمر. وأنا من ناحيتي كنت أتمنى ذلك، خاصة أن ما دار من نقاش في الجلسات المغلقة لم يخرج في روحه وتوجهاته عما دار في الجلسة الافتتاحية التي تحدث فيها مسئولون كبار بصراحة وقوة وشجاعة، في حين كان بعض الأكاديميين والخبراء المشاركين في الجلسات أو المداخلات العامة أكثر حرصاً في بعض الأحيان مما حدث في الجلسة الافتتاحية. وبما أن الجلسات المغلقة ووفقاً لقاعدة تشاتم هوس Chatom House مركز الدراسات البريطاني العريق، فإننا لن نعلق أو نشير إلى ما دار فيها، وإنما نكتفي بالإشارة لمفهومي الشخصي حول أمن الخليج، وهو مفهوم كباحث متخصص في قضايا الأمن والاستراتيجية بوجه عام. وهذا المفهوم أدرك أنه موضع نقاش، ولكن هذه هي ميزة البحث العلمي الحر والمستقل عن المواقف الرسمية. فأول مبادئ البحث العلمي هو التفكير فيما لا يجوز التفكير فيه، ولعلني اعتمد في ذلك على تلك المبادئ السليمة التي أرساها لنا العالم الإسلامي والمفكر، والسياسي الممارس، والفقيه أبو حامد الغزالي في أحد كتبه المعنونة “المنقذ من الضلال” وبحثه عن الحقيقة من خلال مفهوم الشك من قبل المفكر الفرنسي ديكارت بعدة قرون، وفي شجاعته في الرد على موقف عالم آخر في كتابه “تهافت الفلاسفة” ورد ابن رشد عليه في كتابه “تهافت التهافت”، هكذا كان البحث والحوار العلمي حول الأفكار والآراء دون مساس بالشخصيات أو تشويه صورتها. من هذا المنطلق أقول وأكرر ما أؤمن به ،أن أمن الخليج العربي لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال ست ركائز. الأولى: الاعتماد على دول الخليج ذاتها وشعوبها ونظمها السياسية. الثانية: بناء صناعة عسكرية خليجية متقدمة بما في ذلك الطاقة النووية السلمية. الثالثة: البعد العربي لأمن الخليج. الرابعة: دور الولايات المتحدة وبريطانيا وثم دور القوى الدولية الصاعدة مثل الصين والهند وروسيا وباكستان وتركيا وغيرها. الخامسة: التعاون الإقليمي الشفاف والصريح دون تطلع نحو السيطرة أو الهيمنة أو الكلام المزدوج من أي طرف من أطراف المعادلة الخليجية الإقليمية أو الدولية. السادسة: هي الإطار الدولي لأمن الخليج. أي إطار الأمم المتحدة كقوة ذات دور ملزم حينا ودور ذي قوة أدبية في معظم الأحيان. وأخيراً، فإنني أقول للدكتور محمد عبدالغفار رئيس مجلس أمناء مركز الدراسات تهنئة من القلب لجهودكم المباركة، وحبذا لو انطلق المركز لبناء قاعدة علمية من الكوادر، ومن الإنتاج والإصدارات، ثم قام ببلورة فكر استراتيجي بحريني خليجي وعربي مستقل في إطار من التفاعل الإقليمي والدولي