كثرت في الآونة الأخيرة ظاهرة خطيرة جداً، حتى أصبحت موضة لدى بعض من القنوات الطائفية والمذهبية، ألا وهي ظاهرة إذكاء الخلافات العقائدية المصبوغة بلون الطائفية الرخيصة، عبر مجموعة من الإثارات التي انتهت مدة صلاحيتها، فأصبحت تاريخاً لا يغني ولا يسمن من جوع. وأنت تشاهد القنوات العالمية العلمية والثقافية كقنوات (National Geography) و(Discovery) و(Animal Planet) وما تحتويه برامجها من مضامين عملاقة، تبين حرص العلماء في ذلك العالم المتطور على أهمية الاكتشافات العلمية والمعرفية في كافة الحقول الإنسانية من أجل تطوير حياة البشرية، تجد في المقابل أن لدى العرب قنوات ليس لديها من (شُغْلٍ) سوى إثارة القضايا الميتة وإحياء الفتن الكبرى. هناك في العالم الحقيقي، والذي ربما نعتبره نحن لا يعدو في كونه عالماً افتراضياً، يقوم مجموعة من الباحثين الغربيين ببذل قصارى جهودهم لتطوير المفاهيم العلمية والطبيعية والتكنولوجية والفلسفية أيضاً لخدمة الإنسان، أما نحن فليس لنا من همٍّ سوى أن نفتش في بطون الكتب المعتَّقَة علَّنا نكتشف أن فلااً من رجال التاريخ، كان شخصاً فاسداً أو أنه كان شخصاً صالحاً، أو نجتهد لمعرفة مواقفه من هذا الأمر أو من ذاك!!. هناك وفي ديار الكفر نجد أن الاستماتة مستمرة لرسم علاج ناجع لأشد الأمراض فتكاً بالبشر، كما أنهم يقومون بإجراء تجارب جبارة لاكتشاف حياة أخرى في هذا العالم غير الحياة التي نعرفها على ظهر هذا الكوكب، إضافة للكثير من الإسهامات التي تثري وعي الإنسان سواء على صعيد العلم أو الفلسفة. نحن هنا، وفي قنواتنا وفضائياتنا العربية نستضيف مجموعة من المجانين والمهووسين والمشعوذين والمعتوهين من كل المذاهب الإسلامية، ليعلمونا كيف نكره فلاناً وكيف نعشق علاناً من الذين تحللت أجسادهم وذهبوا إلى بارئهم، وهم اليوم بين يديه. فضائياتنا تستضيف هذه (الأشكال الفاضية) وكل منهم يحمل مراجع صفراء، يعتليها الغبار والتخلف ليثبتوا لنا أن الحق مع هذا والباطل مع ذاك!!. ما الذي يمكن أن يستفيده المسلمون اليوم من هذه القضايا المحنطة، عندما تطرحها القنوات الشريرة موهمة الناس أنها تهدف لاكتشاف الحقيقة؟ ما هي الفائدة المرجوة من الأطروحات التي لو كانت مفيدة لاستفاد منها من كان قبلنا؟ لماذا الإصرار على إنشاء المزيد من هذه القنوات المعادية للإسلام وللحب والسلام والداعية إلى الكراهية؟ من يموِّلها ولصالح من تعمل هذه القنوات؟ من يتابعها ولماذا يتابعها المسلمون؟. هذه الأسئلة من المهم لنا جداً أن نحصل لها على إجابات شافية، لأن المسألة أكبر من كونها خلافات فقهية أو عقدية أو حتى مذهبية، بل هي حرب طاحنة ضد وحدة الأمة، كما إن هذه القنوات المشبوهة تضرب وعي المجتمعات بقسوة شديدة، وربما لا يستفيق المسلم إلا ويجد نفسه بين حطام وركام، والكثير من أنهار الدماء لكن بعد فوات الأوان. من المؤكد أن ما ذكرته لن يروق للكثيرين من الذين تخدَّروا بفعل أفيون تلك القنوات وهرج ومرج شيوخ دين لا يتورعون في (لخبطة) أمور المسلمين، فيربكون واقعنا عبر نداءات تدعو إلى الكراهية لا غير. هنالك فئة في مجتمعاتنا الإسلامية تعمل لصالح هؤلاء وبالمجان، إذ يقومون بنشر الكثير من المقاطع الصوتية والفيديوهات لبعض من مشايخ الدين عبر وسائل الاتصال الحديثة، مشايخ دين يعيشون خارج الزمان والعصر، هؤلاء أساس الفتن والخراب يطلون علينا بقصص الخرافات والتدليس في الدين، وفي كل زاوية نرى لهم فتاوى غريبة عن روح الشريعة وجوهرها النقي. إن أفضل من عالج هذه القضايا الكاتب الكبير فهمي هويدي في بعض كتبه القديمة، لعل من أهمها كتاب (التَّدين المنقوص) وكتاب (حتى لا تكون فتنة) والكتاب المهم (طالبان.. جند الله في المعركة الغلط)، ومن المهم لشبابنا أن يكونوا أكثر وعياً عبر قراءتهم هذه الكتب، وكذلك في عدم الانصياع الأعمى خلف آراء وفتاوى مشايخٍ لا يدركون حجم ما يقومون به من ممارسات مدمرة على صعيد الواقع، وذلك عبر قنوات فضائية لو كان الأمر بيدي لختمتها بالشمع الأحمر.