كنت قد ختمت مقال أمس الأول حول كتاب “أمالي السيد طالب الرفاعي” بالوعد بالتعليق على أهم ما جاء فيه، إنما قطع علينا لقاء سعادة السفير الأمريكي الذي كانت له الأولية واليوم نعود للكتاب.
يوضح السيد طالب الرفاعي كيف أن إيران من بعد الخميني نجحت في تجيير المرجعية الشيعية العربية لخدمة مصالحها القومية كدولة من خلال السيطرة المالية التامة على المآتم والمراقد والحوزات في العراق، وعملت لسنوات على إحكام القرار الإيراني فيها إلى أدق تفاصيلها، حتى لم يعد للعرب ولا للعراقيين أي دور يذكر وإن كان فرش سجادة! وتم إبعادهم وتصغير مقامهم والاستهانة بهم، وشنت الحروب النفسية والحروب الإقصائية عليهم، فلا يصل ولا يرتقي منهم إلا من يبدي ولاء تاماً للمرجعية الإيرانية.
هذه سياسة ونهج اتبع عند كل الشيعة العرب وفي كل الدول العربية؛ في العراق في لبنان في البحرين، فلا مقام إلا لمن يبدي الولاء للمرجعية الإيرانية، وينسحب هذا الولاء تلقائياً على الدولة الإيرانية، وإلا الإقصاء والهجوم والتصغير والتحقير والضرب في المصداقية، وهكذا تمت السيطرة على الشيعة العرب عن طريق السيطرة على مرجعياتهم الدينية كي يتم تسخيرهم لخدمة المصالح القومية الإيرانية، وتم ذلك باسم الدين وباسم المذهب وباسم الدفاع عن المظلومية وباسم التعاليم الروحية، فليس غريباً أن تقول مرجعية كرفسنجاني الإيراني القومية لمرجعية عراقية كبحر العلوم إنه لا يهتم بالعراق، بل ما يهمه هو جمهورية إيران، لأن إيران وطنه قبل أي شيء آخر وهي فوق كل اعتبار حتى وإن كان ذلك الاعتبار جماعة رخصت بوطنها من أجله ومن أجل مرجعيته.
يوضح الكتاب أيضاً أن التفكير بالعمل الحزبي كان غير مقبول عند المرجعيات الدينية الشيعية سابقاً كمحسن الحكيم في بداية التأسيس، لولا أن الخوف على الهوية كان حافزاً لمواجهة المد الشيوعي في العراق بعد تولي عبدالكريم قاسم لما فكر الرفاعي أو غيره بالتحول للعمل الحزبي، فهذا العامل هو الذي جعل المرجعية تتغاضى عن تأسيس الحزب تأسياً بجماعة الإخوان المسلمين، حيث تم التفكير في تأسيس حزب على غرار “الإخوان”، إنما لم يدر في خلد مؤسسيه أن تؤول الأمور إلى ما آلت إليه من تهافت على السلطة ومن انشغال بها من قبل المرجعيات الدينية كما يحدث الآن، حتى إذا ما فشلوا في إدارة الدولة نسب الفشل للدعوة كعقيدة وكأيديولوجيا وتلك من أكبر الخسائر.
وهي نظرة نتفق على خطورتها حتى على المذاهب الأخرى كعقائد، والسيد رفاعي ملك قدراً من الجرأة ما يواجه به حزب الدعوة العراقي الذي يدير الحكم العراقي الآن، كيف لا وهو أحد مؤسسيه، فقال لهم إنكم لا تصلحون لإدارة الدولة وإنكم أسأتم للدعوة حين حامت حولكم الشبهات وسكتت عنكم المراجع الدينية.
كذلك يبين الكتاب أن الخلاف بين الأفندية والعلماء كان موجوداً منذ ذلك الوقت، وأنه كلما حاول الأفندية، وهم التكنوقراط من أعضاء الحزب، أن يقودوا الحراك السياسي تم إقصاؤهم ومحاربتهم حتى تعود الأمور لناصية العلماء من جديد، ذلك حدث في الستينيات في العراق ويحدث الآن في الألفية الثانية في العراق وفي البحرين.
كل تلك المراجعات التي وردت على لسان أحد مؤسسي أكبر حزب شيعي تستحق أن يتمعن فيها شبابنا البحريني المتحمس المندفع الذي يخلط بين التدين والرغبة في العطاء الديني وبين دهاليز السياسة سواء كانت السياسة الإقليمية أو السياسة المحلية.
فليس كل ما يبرق ذهباً، وليس كل صاحب عمامة نزيه، وليس كل صاحب عمامة أو لحية أو ثوب قصير أو مظهر من مظاهر التدين حتى وإن كان ذا درجة علمية عالية صادق معكم، فكلهم بشر ولهم أطماع، وقليل منهم من يملك إيثار التنزه والترفع عن المصالح الدنيوية.
على صعيد آخر هذه المراجعات بينت أن هناك رجال دين ومنهم مرجعيات دينية آثروا الآخرة بالفعل وكانوا وطنيين عن حق وتمسكوا بعروبتهم وبمصالحهم القومية دون أن يخلوا بالعقيدة وبالمذهب، ولم يسمحوا لإيران أن تتحكم بأوطانهم ولم يكونوا عبيداً لها، ولم يكونوا لعبة في يد غيرهم وقاوموا كل الإغراءات التي عرضت عليهم وتصدوا لكل الإرهاب الذي مورس ضدهم، وهم رغم ضعفهم وإنهاكهم من قبل خصومهم إلا أنهم مازالوا قابضين على الجمر.
كل ما نتمناه أن يكون لدى شبابنا الوعي الكافي لقراءة هذا النوع من المراجعات قبل فوات الأوان.