قبل أن يلفظ الأسبوع الماضي أنفاسه اختطف الموت حمد بن على الرميحي؛ التربوي الكبير وكيل وزارة التربية المساعد للتخطيط والبحث التربوي السابق، والذي كان أحد الساعين إلى تطوير التعليم في البحرين وأحد أبرز عناصره وأسباب نجاحه. لم يكن أبو علي بارزاً إعلامياً لسببين، أولهما أن عمله كان التخطيط ووضع الاستراتيجيات وإعداد الدراسات وإجراء البحوث التربوية وهي مهام تتطلب الهدوء والابتعاد عن أضواء الإعلام والصحافة، وثانيهما أنه لم يكن من محبي الظهور الإعلامي، فقد كان همه منصباً على تقديم ما ينفع في هدوء، وكما كان يردد دائماً رحمه الله المرء بفعله لا بكلامه.
المرة الأولى التي تعرفت فيها عليه كانت في العام 1999 عندما التحقت بالعمل في مكتب وكيل وزارة التربية والتعليم وفوجئت في أول زيارة لي إلى مكتبه الهادئ جداً أنه يحتفظ بعدد من الملفات بينها ملف كتب عليه اسمي يحوي مقالات لي ومقابلات كنت قد أجريتها وتحقيقات صحافية نشرت في بعض الصحف المحلية، وعندما قرأ السؤال في عيني عن سبب اهتمامه بما أكتب رغم أنه لا توجد معرفة شخصية سابقة بيننا قال كلاماً مشجعاً، وعرفت لاحقاً أنه قارئ نهم ويرصد كل ما ينشر في الصحافة المحلية خصوصا ما يتعلق منه بالتربية والتعليم.
استمرت علاقة العمل بيننا أكثر من ثلاث سنوات، حينها كنت أمين سر أكبر لجنتين بالوزارة؛ لجنة التربية والتعليم التي يرأسها الوزير وتعقد اجتماعاً شهرياً، ولجنة الوكلاء التي يرأسها وكيل الوزارة وتضم جميع الوكلاء المساعدين وتعقد اجتماعاً أسبوعياً، وهو ما أتاح فرصة اللقاء المستمر بالرميحي والتعلم من خبرته الحياتية الواسعة ومن هدوئه وقدرته على توصيل أفكاره بسهولة ويسر.
بعد انتهاء مرحلة عملنا في الوزارة ظل على اتصال جميل بي، فهو يتواصل مع الجميع في الأفراح والأتراح، وكان بين الحين والحين يتصل بي ليبدي ملاحظاته على بعض مقالاتي وهي ملاحظات تخرج دائما من دائرة المجاملة، فقد كان الرميحي معروفاً بصراحته وقدرته على إبداء رأيه بعيداً عن المجاملة وإن ظلت الابتسامة على وجهه وشمل متلقيه بحنان أبوي غريب.
من الأمور التي تسجل للرميحي رحمه الله أنه لم يكن يفرق أبداً بين منتم لهذا المذهب أو ذاك، كان الجميع عنده سواسية؛ فالأهم عنده هو العمل وخدمة الوطن. شخصياً لم أسمع منه مفردتي شيعي وسني أبداً، وكان في اتصالاته التي لا تنقطع منذ ابتلاء بلادنا بالأحداث المؤلمة يبدي رأيه بوضوح وشجاعة ودون انحياز، كان يقول لي هذه أخطاء الحكومة، ويقول هذه أخطاء «المعارضة»، وأن فلاناً ما كان يجب أن يقول كذا وعلاناً ما كان يجب أن يفعل كذا، لم أسمع منه رأياً منحازاً أو متطرفاً، لكنه لم يكن يخفي قلقه مما يجري ويدعوني دائماً إلى التأكيد في كتاباتي على أننا شعب واحد وأن الاختلاف بيننا وارد وهو صحي لكن الاقتتال مرفوض.
إنه مصاب عظيم فقدان هذا التربوي الكبير والرجل الذي ظل باستمرار مترجماً لكلمة الإخلاص بعمله وبتوجهاته وبموضوعيته وبحبه لمن حوله وحنانه الذي يفيض به على كل من يعمل معه ويتواصل. مصاب عظيم رحيل هذه القامة التربوية الذي يشهد له كل من عمل معه من العاملين في بيوت الخبرة العالمية بقدراته وخبرته وبنظرته البعيدة وتمكنه من الملفات التي يديرها. مصاب عظيم فقد هذا الإنسان الذي ظل نقياً ولا يحمل ضغينة تجاه أحد حتى أولئك الذين يتخذون منه موقفاً لسبب أو لآخر.
من عرف حمد الرميحي ولو معرفة بسيطة لا يتردد عن القول إن رحيله عن دنيانا خسارة كبيرة، فقد كان نموذجاً للبحريني الأصيل.