خرج الميكروباص من القاهرة على طريق الإسماعيلية وتخطى قرى ونجوع شرق الدلتا، وعند مروره بجانب سور على الطريق الزراعي طلب راكب عسكري من السائق التوقف لينزل.

السائق: هل هذه ورش؟ أخبرني جزاك الله خيراً فالكثير من العسكريين يطلبون النزول هنا ولا أعرف اسم المكان.

العسكري بصوت منخفض: “مطار سري للغاية، لكن لا تخبر مخلوقاً”.

وفي اليوم التالي، وحين اقترب السائق من نفس المكان صاح بأعلى صوته “حد نازل المطار السري؟”.

وقد أصبح سور المطار محطة للنزول والركوب، وافتضح أمر مطار “كفر النور” الذي أقامته مصر بعد هزيمة 67. ورغم امتلاك سوريا واحداً من أضخم القوات الجوية عربيـــاً وفيه 900 مقاتلة، منها طائرات SU-27 وMIG-29 والقادرة على تنفيذ مناورة الكوبرا المعجزة والتي قام بها الطيار فيكتور بوغاشيفي في 1989م، إلا أن سلاح الجو السوري معطل تقريباً ليس فقط لافتقاره للمتطور من الأجهزة المساندة وأنظمة الاتصال؛ بل لضعف التكتيكات وقلة الخبرة والكفاءة القتالية، لخوف النظام من الفرار أو الانقلاب عليه وخير دليل هو فرار طيار الميغ للأردن وإسقاط طائرة الفانتوم التركية بالمضادات الأرضية وليس طائرات الاعتراض. ولتعويض ذلك وفي موقع سري كمطار” كفر النور” المصري، أقيمت في جبل بالقرب من مدينة حماة “مدينة الصواريخ”.

ولأن الصواريخ معرضة لهجمات الطيران وجد السوريون الحل في بناء مكان يحميها، بمساعدة إيران وكوريا الشمالية والصين، فبنت مدينة الصواريخ التي تدار من قبل مركز الأبحاث والدراسات العلمية، ومدينة الشر التي بنيت تحت الأرض تضم 30 مركز قيادة ومصانع ومختبرات محصّنة ووسائل إطلاق صواريخ باليستية منها سكود Scud-D الحديث بمدى 700 كلم، بل ويقال إن دمشق طورت رؤوساً متفجرة كيميائية لكل صواريخ سكود لديها. ونقيض لانخفاض قدرات الطيار السوري، ظهر ارتفاع في مهارات أطقم الصواريخ، ففي مناورة لهم حققوا 19 دقيقة فقط للظهور والإطلاق والاختفاء. ولعل ما أجهض فكرة المنطقة العازلة على الحدود التركية هو زج النظام بكتائب صواريخ بعيدة المدى إلى الحدود، حيث كان إطلاق صاروخ واحد يعني قتل السياحة هناك ووقف 58% من مصادر الدخل وبطالة 34% من المواطنين الأتراك.

لقد تغيرت قواعد الحرب والسلام في المنطقة؛ فقد أضر الأسد بالمصالح العربية بتحالفه مع إيران وعدم تغليبه للمصلحة الخليجية، وسوف يتعدى الصلف السوري مصاف الكلمات، فقد سبق أن ردت دمشق على خادم الحرمين الشريفين حين استنكر قتل الأبرياء بالقول “إن كلمتك أشبه برسالة تهديد”، أما المبادرة القطرية فقالت عنها بكلمة واحدة “مرفوضة”. وحين تبدأ طائرات الشرعية الدولية في دك معاقل نظام دمشق فلن ترد علينا بثينة شعبان، بل سيأتي الرد من حماة، إذ إن بواعث القلق الخليجي تجاه مدينة الصواريخ تلك تتمثل في ثلاثة محاذير هي:

1- حين تصيح صافرات الإنذار في ليل دمشق، سيكون تسلسل المنطق العسكري السوري، أولاً: ردة فعل تحذيرية لإيقاف الهجوم وتقوية جبهته الداخلية كما فعل صدام 1991م، وفي الليلة الثانية والتي تليها سيتبع الأسد وهو يلعق جراحه استراتيجية الإغراق الصاروخي، ولتشابه نظام الأسد مع نظام القذافي في استحالة كسب أية تعاطف من المحيط العربي أو الإسلامي لن يقوم الأسد بقصف الكيان الصهيوني؛ لخروج ردة فعل دمشق من مربع كسب الحلفاء إلى مربع الانتقام، وليس هناك أفضل من العواصم الخليجية.

2- الأنباء الواردة عن تزايد أعداد الجماعات المسلحة في سوريا رفعت مؤشرات القلق لدى المراقبين من أن يؤدي السقوط غير الممنهج لنظام الأسد إلى تسابق تلك الجماعات للحصول على حصتها من أسلحة الدمار، ليكون لديها قوة تزكيها كلاعب على الساحة. ولعل هذا ما دفع الإدارة الأمريكية لوضع خطط طوارئ بقوّات خاصة للسيطرة على الأسلحة الكيميائية والبيولوجية، وما يقلقنا في الخليج هو حصول حزب الله العراقي، ومنظمة القاعدة ومثلها من المنظمات الإرهابية على تلك الأسلحة.

ولا شك أن الإجراءات الخليجية المضادة ستكون محدودة إذا انتظرنا ساعة الصفر، ولأن صواريخ بغداد 1991م تختلف عن صواريخ دمشق 2012م، في الإصابة وقدرة التدمير، لذلك على صانع القرار الخليجي اتخاذ إجراءات لعل منها:

1- إعادة النظر في عرض واشنطن إنشاء الدرع الصاروخية الخليجية، ليس ضد إيران هذه المرة بل ضد سوريا أيضاً؛ فهل يستطيع الأمريكان إقامتها على عجل كما فعلوا مع الكيان الصهيوني؟

2- وربما إقامة حائط صواريخ كالذي نفذته مصر 1973م تتقدمه بطاريات باتريوت باك 3 المضادة للصواريخ، ولوكهيد مارتن “ثاد” إذا وصل للإمارات مبكراً مع الأخذ بعين الاعتبار خطر كشف ظهورنا لطهران.

3- تفعيل الاعتماد على الحرب الإلكترونية الخليجية التي وصلت مراحل متقدمة عبر مشاريع حزام التعاون والاتصالات المؤمنة وما يتبع ذلك من نصب أجهزة استشعار للصواريخ، أو بالتشويش عليها بتغيير هيئة الأهداف التي تهاجمها، وقد نجحنا من قبل في تحييد صواريخ سيلكوورم الإيرانية عندما هاجمت مصافي الكويت.

4- الردع هو تحقيق الهدف دون اشتباك، ولعل من وسائل ردع مدينة الصواريخ السورية، تذكير نظام دمشق بأحد أهم مكونات منظومة الردع الخليجية في قاعدة السليل العملاقة قرب الرياض؛ حيث الصواريخ الباليستية من طراز رياح الشرق، وما تحمله من رؤوس ردعت طهران طوال الثلاثين عاماً الماضية.

5- قد يكون من الصعب على العمل الاستخباري الخليجي أن يحقق نتائج ذات جدوى في بلد ذاكرته استخبارية، لكن تحسين قابلية التعاون في العمل الاستخباري مع الجيش الحر يعطينا أفضيلة في توقع وقت وزمن وحجم الخطر.

لقد انكشف السر عن شرور مدينة الصواريخ في حماة، وقد أعطى مخاوفنا شرعيتها مخاوف واشنطن وتل أبيب، كما أعطى الأسد حق استهدافنا، إهدارنا لدمه على مذبح الشرعية الدولية نصرة للشعب السوري الحر، مما يجعل رفع الجاهزية العسكرية في دول الخليج أمر حتمي لا خيار بين خيارات.

المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج