في رمضان الفائت لم تتوقف الفعاليات الميدانية المعتمدة من قبل الجهات التي تراهن على فوضى الشارع حيث استمرت تلك الأنشطة وتسببت في إزعاج الناس ليلاً ونهاراً، ذلك أن القائمين عليها يعتقدون أن التوقف عنها من شأنه أن يقلل الحماس المطلوب ولعله يفسد (الخطة) وقد ينقلب معه السحر على الساحر،والواضح أن هؤلاء يعتقدون أن الحكومة يمكنها أن تتمكن منهم وتوقف تحركهم لحظة أن يتوقفوا عن تلك الممارسات. وعليه يمكن الاستنتاج أن رمضان الحالي سيشهد أيضاً إزعاجاً مماثلاً وقد تكون الجرعة أكبر وتتسبب في قلق عام ومزيد من عدم الاستقرار يخرج شهر رمضان عن روحانيته، وبالتأكيد لن يتوقف الحديث في الشأن السياسي وأحداث البحرين في المجالس الرمضانية.
دعوات كثيرة تم توجيهها من قبل الكثيرين إلى الكثير من المعنيين لتهدئة الأمور ووقف الأنشطة السالبة في رمضان، على الأقل كي يشعر الصائمون بلذته، لكن للأسف ظلت الاستجابة باهتة وواضح أن شهر رمضان هذا لن يختلف عن شعبان والشهور التي سبقته مع فارق واحد هو أن الناس سيعيشون كل الآلام التي عاشوها في تلك الشهور وهم صائمون.
بالتأكيد سينبري من يقول إن على الداخلية ألا تتعامل مع المواقف التي تتطلب التعامل معها لاعتبارات شهر رمضان لأن الناس صائمون، وهو أمر غير معقول بالمرة لأن أي فوضى تحدث توجب على الداخلية التعامل معها حماية للآخرين على الأقل ووفاء بحقهم، وهذا يعني أن عمليات الكر والفر ستتواصل وأن سد الطرقات بما يتيسر من حجارة وجذوع النخل سيحدث أيضاً وأن استخدام مسيلات الدموع سيستمر وأن الحال لن يختلف في رمضان عنه في الفطر وأن الناس ستتضرر من كل ذلك.
ما ينبغي التأكيد عليه هو أن رجال الأمن لا يمكن أن «يعيلوا» لأن دورهم هو ضبط الأمن، فإن لم تكن هناك مسيرات أو مظاهرات أو اعتصامات غير مرخص لها أو غير متفق عليها اتفاقاً مسبقاً مع الجهات المعنية وإن لم تحدث فوضى في الفعاليات المرخص لها فإنهم بالتأكيد لن يتعاملوا مع لاشيء وتظل الأمور هادئة.
دور أساس ومهم يفترض أن تقوم به الجمعيات السياسية وخصوصاً الدينية منها في شهر رمضان هو التوقف عن الفعاليات التي ظلت تمارسها خارج الشهر الكريم وكذلك (إقناع) ما يعرف بائتلاف فبراير الذي للأسف أنه هو الذي يقود الشباب والشارع بدلاً عن الجمعيات السياسية ذات التاريخ والخبرة السياسية، إقناعه بأن استمرار تلك الأنشطة السالبة للاستقرار في شهر رمضان يخسرهم جميعاً كل تعاطف ممكن ولعله يبعد عنهم المتعاونين معهم اليوم لأنهم سيشعرون بأنهم هم أيضاً متضررون من عنادهم وسوء تدبيرهم وقلة خبرتهم السياسية.
أعرف أن هذا مجرد رغبة غير قابلة للتحقق بدليل الدعوة التي ملأت بها جمعية الوفاق مواقع التواصل الاجتماعي للخروج في أكثر من عشرين مسيرة الجمعة الماضية في وقت يدخل فيه الناس الشهر الكريم، وهو ما يعني أن أي دعوات للتهدئة لن تجد أي قبول منها ويعني أيضاً أن أي دعوات منها هي للتهدئة غير جادة، فمن يدعو إلى مسيرات يعرف مسبقاً أنها ستؤدي إلى مواجهات لا يمكن أن يدعو إلى التهدئة، وإن دعا إلى التهدئة لا يمكن للآخرين أن يصدقوه.
مؤلم أن تستمر الأحداث في شهر رمضان الذي فضله رب العباد على الشهور وأكرمه بليلة القدر ودعا عباده إلى الاستفادة من كل لحظة فيه ليكسبوا الأجر والثواب والمغفرة، أما الأكثر إيلاماً فهو أن الدعوات إلى إحداث الفوضى فيه وتعكير صفوه وصفو الصائمين تأتي من جمعيات ذات علاقة بالدين ومن أفراد يبدأون حديثهم في الفضائيات بذكر الله والصلاة على محمد وآل محمد.