مرة أخرى تطل علينا أمريكا من جديد بوجهها المزدوج كمعاييرها المزدوجة، لتحدد لنا قِبلتنا نحو الديمقراطية، وتتحدث عن الحركات الشعبية المشروعة وغير المشروعة، أما نحن فما علينا سوى السمع والطاعة. هذه أمريكا وهذا كل ما تريده. الديمقراطية الأمريكية، تتحقق فقط على الأراضي الأمريكية، أما بالنسبة لنا، تظل الديمقراطية التي تطعمنا منها واشنطن، تقطر بكل معاني العبودية. قبل أيام فقط، اقتحم شاب أمريكي إحدى دور السينما في ولاية كولورادو في ضاحية أورورا في دنفر، حيث ألقى قنبلة صوتية، ومن ثم أطلق العنان لبندقيته بطريقة عشوائية، ليقتل على إثر ذلك أكثر من خمسة عشر شخصاً ويجرح أكثر من سبعين آخرين. خرج بعدها الرئيس أوباما، ليقدم العزاء لضحايا المجزرة، ويأمر بتنكيس الأعلام، معتبراً ذلك العمل، مخالفاً للروح الأمريكية، معزياً الأمة التي يحكمها الرئيس الحائر، أوباما. ليس أوباما وحسب، نحن أيضاً نقدم العزاء لأٌسر ضحايا المجزرة البشعة، ولكل الأمة الأمريكية، وإن كانت تلك الأمة لا تكترث بدماء كل العرب والمسلمين، حين تراق في سبيل النفط والسلاح، أو تظل في أحسن الأحوال متفرجة على مسارح المجازر اليومية في فلسطين المحتلة، وعلى كل أراضينا في الوطن الممتد من المحيط إلى الخليج!. يؤلم أوباما كل قطرة دم تسفك في أمريكا، لكنه لا يتألم لما يحدث يومياً في وطننا العربي من مآسٍ ومذابح، هذا إذا لم يكن للولايات المتحدة دور فيها، عبر شركات السماسرة وغيرها من تجار الموت. غبي من يعتقد أن أمريكا حين عبرت المحيطات والقارات، أنها جاءت لتفتش عن الديمقراطية الغائبة في وطننا العربي لتعيدها لنا، أو أنها جاءت لتقدمها لنا بديلاً عن الديكتاتوريات العربية، بل كل ما في الأمر، هو النفط والغاز وبيع السلاح، وما دون ذلك فيعتبر هراءً. مذ سقط الرئيس العراقي صدام في عهد الرئيس الأمريكي سيئ الصيت جورج بوش، والعراق يخرج من حفرة ليدخل في حفرة أخرى، وها هم العراقيون يعيشون على الفقر والجوع والضياع، أما حلم الديمقراطية فلا شيء منه تحقق، وأما الرفاهية العراقية فهي أقرب إلى الخيال منها إلى الواقع. ملايين العراقيين يأكلون من المزابل، في حين يسري النفط من تحت أرجلهم إلى واشنطن بطريقة آمنة، أما الأمن في بغداد، فلن يكون إلا إذا ولج الجمل في سم الخياط. ضاعت العراق، وبعض من أبنائنا الأبرياء حتماً، يعيشون في معاقل غوانتنامو القاسية، وها هي مصر تحتضر، واليمن يمشي للمجهول، وليبيا تنتظر النتيجة، وتونس ترتقب النهايات السعيدة، أما بقية الأمصار العربية فإن الدور سيأتيها لا محالة على “السستم” الأمريكي الفاحش. لن نؤمن بأمريكا، بل نحن كفرنا بها وبمبادئها وقيمها، وبكل ديمقراطياتها وشعاراتها، بعد أن رأينا ما رأينا من الأهوال، ولن نعوِّل في صلاح أمورنا، إلا على الله تعالى وحده، وعلى سواعد أبنائنا في بناء أوطانهم، وما دون ذلك يعتبر أفضل وأرقى أنوع الظن بأمريكا، وهو أسوأ الظنون لدينا. الشباب العربي اليوم مطالب، أن يسعى للتغيير لكن ليس وفق النظرة الأمريكية، بل يجب عليهم أن يتجنبوا في أن يقدموا أدنى مراتب المساعدة المجانية لأمريكا، في سبيل إنجاح مشروعها “الشرق الأوسط الجديد”، لأننا مسلمون خُلقنا أحراراً ويجب أن نموت كذلك، أما السياسة الأمريكية فإلى الجحيم