لا ينتهي دور الرأي العام عند تنبيه الحكومة إلى وجود معوقات أومشكلة ما تواجه المجتمعات، الرأي العام يبقى محركاً فعالاً للحكومات طالما هناك أزمة أو احتياج يتطلب من الحكومة أداء فاعلاً فالعملية تبادلية. انتهى زمن نعتقد فيه أننا (كرأي عام) ينتهي دورنا بمجرد إثارة القضية في الإعلام مثلاً، ومن ثم نعتقد أن الكرة ستنتقل تلقائياً لملعب الحكومة، ثم نجزم بأنه ما دامت انتقلت الكرة لملعب الحكومة فإذاً فلابد أن تتحرك هذه الكرة ذلك اعتقاد غير سليم. لأعطي مثالاً على ذلك.. اليوم البحرين تواجه “أزمة سوق”، صحيح أن الحكومة قامت مشكورة بتوجيه من سمو رئيس الوزراء بالطلب من وزارة الصناعة والتجارة وغرفة التجار أن تدرس الأزمة وتستعين برأي التجار وتقدم توصياتها. ثم قامت صحيفة أخبار الخليج مشكورة بنشر ملخص الدراسة أمس الأول التي قدمتها وزارة الصناعة والتجارة لرصد معوقات تنشيط الحركة في القطاع العقاري وفي القطاع الصناعي وفي القطاع المصرفي والسياحي، وعادة ما نعتقد أن دورنا يقف عند هذا الحد، دون النظر في المستجدات التي طرأت على مجتمعنا، بمعنى دون النظر إلى ما لدينا من أدوات تجعلنا شركاء لا ينتهي دورنا ولا يقف عند هذا الحد. لدينا حق التعبير الذي كفله لنا الدستور، ولدينا الأدوات التي من خلالها نمارس هذا الحق، هذا ماء سيق للحصان ولكن حصاننا معوق لا يعرف كيف يشرب الماء بعد، نحتاج أن نثق بقدراتنا بممارسة هذا الحق ونتحرك قليلاً ونسبق الحكومة، نحتاج أن نضع برنامجاً “كقوى سياسية” و”كإعلام” و”كنواب” و”كمؤسسات مجتمع مدني” بالخطوات التي علينا القيام بها لمتابعة الحكومة ودفعها وحثها ومراقبتها ومحاسبتها -إن قصرت- في البرنامج الذي ستضعه من بعد تقديم هذه الدراسة، والذي لابد أن يكون ذا خطة محددة زمنياً لا تتجاوز السنة لمعالجة هذه المعوقات، وما زاد على السنة فإننا أمام تقاعس وتباطؤ غير مبررين . على الرأي العام (إعلاماً و قوى سياسية ومدنية) أن يبدأ بخلق حالة عامة تتفاعل مع هذا الموضوع وذلك يحتاج إلى برامج في تلفزيون البحرين والإذاعة ويحتاج إلى مقالات وتقارير صحافية ويحتاج أن تنظم القوى السياسية عدة ندوات وتشارك الإعلام في الجدل والنقاش حول هذا الموضوع، وأن يكون ذلك على مدى الشهر أو الشهرين القادمين من الحديث حول هذا الموضوع فتح باب الجدل والنقاش فيه، هذا هو الحد الأدنى من الحراك المدني المطلوب والذي بإمكانه أن يوظف الأدوات الديمقراطية المتاحة له من أجل المشاركة المجتمعية لدفع أي حكومة للقيام بدورها وإشعارها بأن الأمور مستعجلة، هذا ما تفعله المجتمعات الديمقراطية، فهي لا تعتمد على وجود مجلس نيابي فقط، ولا تعتمد على وجود سلطة تنفيذية فقط، بل تكون هي المحرك والدينامو الذي يحرك الاثنين معاً. خلق الحالة العامة هي واحدة من الأدوات الديمقراطية التي تتوافر لدينا أداوتها بالكامل، فلدينا إعلام ذو سقف مرتفع ولدينا قوى سياسية مرخصة تعمل بالسياسة ولدينا مؤسسات مجتمع مدني كثير منها معني بهذه القضية بشكل مباشر؛ كجمعيات العقاريين والمصرفيين والاتحادات العمالية والنقابات، ولدينا نواب ولدينا بيوت استشارة وشوريون ذوو اختصاص، كل هؤلاء لديهم مطلق الحرية للإدلاء بدلوهم و المشاركة الفعالة بلا عوائق. هكذا تنشط الحكومات وتحسن من أدائها في الدول الديمقراطية حين تعرف أن المجتمع ككل أصبح شريكاً لها بتقديم الحلول وشريكاً لها بمراقبة أدائها، لكن تلك آلية لم نتعود عليها إلى الآن مع الأسف. في موضوع مثل هذا الذي أعطينا مثلاً عليه ونقصد أزمة السوق؛ أجزم أننا نتصور الأمر أنه انتهى كرأي عام بمجرد أن نشرت إحدى الصحف ملخص الدراسة، ومن ثم ستهمله الصحف الأخرى، وستهمله حتى الجريدة التي أثارته ولن تتابعه، ولا ينتبه له التلفزيون. والقوى السياسية تنشط في المناسبات وفالحة في نقد الحكومة فقط، ومؤسسات المجتمع المدني تتحرك (بالدز)، وتبقى الحكومة وحدها في الملعب وفي يدها ألف ملف غير هذا الملف. إنما حين تكون القضية هي الشغل الشاغل للمجتمع من خلال أدوات الضغط المتاحة وذات السقف العالي الموجود فإن حراك الحكومة سيكون أسرع وأفضل وحيوياً ومتفاعلاً. لا شيء يقف أمام هذه الممارسة الديمقراطية سوى أننا لم نتعود ولم نبدأ ولم نجرب بعد، لا شيء غير أننا الجيل الأول في المجتمع البحريني الذي استلم الأدوات الديمقراطية، لكنه إلى هذه اللحظة وقف حائراً لا يعرف قوتها وقدراتها وإمكانيات التغيير التي بين يديه