تعجز الكلمات بمفردها ومثناها وجمعها عن وصف حزن الصقار على فقدان صقره، وتلك هي حالنا وحال أهلنا في الرياض الذين فقدوا بوفاة المغفور له بإذن الله الأمير نايف بن عبدالعزيز صقراً نادراً ذكرنا بقصص الأجداد وحزن من يفقد طيره الذي يصيد له حين يستعصي الصيد على غيره؛ وكيف أن بعضهم حرم نقل الطيور وراح وهو كبير قومه يفقد وقاره ويرثي صقره بأبيات يتقطع لها القلب وتفيض حزناً يتفجر له الصخر ألماً.

لقد كتبنا في مطلع نوفمبر 2011 حين تم تعيين نايف ولياً للعهد في الشقيقة المملكة العربية السعودية إن السعوديين قد وضعوا كلمة نايف بين كلمة الأمن وكلمة الخوف، ففيها كل المسافة التي تفصل بين الشعورين، وجاء اهتمامنا بالرجل كونه نقطة إحداثية مهمة على خارطة المملكة، التي لها وزنها الإقليمي الفاعل في الاستراتيجية السياسية والأمنية ضمن دول الخليج. كما إن ميراث سيرة نايف الأمنية كان له ثقله بحكم توليه منصب وزير الداخلية خلال منعطفات عدم الاستقرار الأمني الذي مرت به المنطقة. وبعد أقل من سبعة أشهر فقط على خلافته لأخيه الراحل الأمير سلطان انتقل صقر السعودية إلى جوار ربه. فكيف سنقرأ صفحات لم يجف مدادها بعد!

يعرف الصقور من رجال الدولة بأن تصريحاتهم ومواقفهم واضحة وحادة وهم غالباً العقل المدبر للمشهد القائم، فكلمتهم مطاعة من الأتباع، ومسموعة من المناوئين، ومتابعة من المراقبين، لا حلول وسطى في أجندة تفاوضهم، يتمسكون بقناعاتهم بتطرف يفرض في النهاية احترامهم. هؤلاء هم الصقور في التعريف السياسي. وكان صقرنا المغفور له الأمير نايف بن عبدالعزيز متحدثاً قوي الحجة خاض أكثر المسائل جرأة وحساسية بشفافية وبلا تحفظ وبحدة تصدم من لم يتعود سماع الحقيقة، فقد كان من الصقور الذين يحتاجهم كل مجتمع في زمن الفتنة.

لقد فقدت الرياض صقراً في الوقت نفسه، فقد كان الأمير نايف مشهوراً بولعه بالصقور وصيد الحبارى، وقد اقتنى عدداً كبيراً من أفضل أنواع الصقور على مستوى العالم، وكان مرجعاً لهواة الصقور فأُطلق عليه “سيد صقارين الجزيرة”. لكن صقور نايف الحقيقية لم يكن لها برقع ولا وكر ولا رباط، كانت صقور نايف التي دربها وأحسن تدريبها، وسلحها فأجزل في تجهيزها، هي إحدى أهم ركائز الأمن الداخلي السعودي. نجحت في المحافظة على الأمن وردعت كل نفس ضالة. كما كانوا عوناً لضيوف الرحمن في مواسم الحج لمنع التدافع وللمحافظة على سلامة الحجاج من أي عمل فوضوي وتخريبي. لقد تحققت على يد صقور نايف الكثير من الإنجازات الأمنية التي تعاملوا معها بمهنية عالية؛ فحرروا رهائن الطائرات وقضوا على الإرهابيين.

لقد قال والده الملك عبدالعزيز “الدين طير حر من صاده قنص به” قالها ابن سعود بشجاعته الأدبية المعروفة، قالها بفهم كامل لمعنى الاعتماد على الله وبفهم الشريعة السمحة. ثم جاء عصر الفئة الضالة فالتقطت القاعدة الدين كطير لم تعرف القنص به، فقتلت الأبرياء وروعت الآمنين، ولدغت الجسد السعودي في مواضع عدة فسلط الله عليهم الصقر نايف الذي أقسم على هدم جحورهم في كل شبر من بلاده وبر بقسمه. بل إنه راح يلتقط صغار تلك الأفعى، معتمداً استراتيجية العصا والجزرة في القضاء على جذور الإرهاب، وفي سعيه لإرجاعهم لجادة الصواب قام بعمل برنامجين الأول لتأهيل الإرهابيين الموقوفين بالمناصحة. والثاني يعنى برعاية الإرهابيين بعد قضاء المحكومية، ويشمل التأهيل النفسي والعملي لدمجهم بالمجتمع، وقد أشاد مجلس الأمن الدولي بالخطوة ودعا إلى تعميمها عالميًا والاستفادة منها.

لقد كان لبكاء المملكة على صقرها الحر صدى في ضفاف الخليج، ولم لا وقد كان آخر ما صرح به الأمير نايف بن عبد العزيز رحمه الله هو أن السعودية لن تتهاون مع أي تهديد لسيادة دول الخليج، ففي تحذير لطهران بعد زيارة نجاد لـ (أبو موسى)، قال الأمير نايف في 2 مايو 2012 خلال اجتماع لوزراء داخلية دول مجلس التعاون الخليجي “أي أذى تتعرض له أي من دولنا هو أذى يمسنا جميعاً”، حيث ندد نايف بشدة بالاحتلال الإيراني للجزر العربية. كما ندد بدور إيران في أحداث البحرين قائلاً “إننا نؤكد في الوقت نفسه وقوف المملكة العربية السعودية وبقية دول المجلس صفاً واحداً مع مملكة البحرين ودولة الإمارات العربية المتحدة في الحفاظ على السيادة والاستقرار باعتبار أن أمنهما جزء من أمن دول المجلس كافة”، ولم يكن ذلك إلا نايف الذي عرفناه، ففي ظروف يفقد الكثيرون توازنهم قال نايف إن أمن الخليج ليس مخترقاً كما تردد بعض التقارير بل في أيد أمينة، وقال رداً على سؤال حول فوبيا الخلايا النائمة الإيرانية “إذا كانت هناك خلايا لاتزال نائمة في الخليج فسنوقظها ثم نقتلها” كانت تلك الكلمات المترعة بالقوة والعنفوان، مع كثافة حضوره الشخصي وهو يخطب، كافية لتبديد كل وجل في قلوبنا على أمن الخليج، ودليل أن في الخليج الكثير من الصقور النادرة التي لا تعرف التسوية على حساب المبادئ.

المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج