أطفال رضع عمر بعضهم لا يتجاوز الأيام تم رميهم في الزبالة، أو على أبواب المستشفيات دون رحمة أو شفقة أو إنسانية.. هم من فَقَدَ الأب والأم، أما حين يكبرون فالمجتمع لا يتقبلهم، إنهم اللقطاء الأبرياء. هناك مجموعة من الرضع اللقطاء يعيشون اليوم في مجمع السلمانية الطبي لأخذ الرعاية الطبية اللازمة، لكن مازالوا أيضاً مجهولي النسب، ولا نعرف تحديداً كيف تتعامل معهم الجهات الرسمية. من الحوادث الأخيرة التي جرت أحداثها بمجمع السلمانية الطبي، هي قصة طفلة لقيطة أذيع صيتها بين الناس لا نحب الخوض في تفاصيلها حفاظاً على خصوصيتها. لا يمكن أن تكون هذه الظاهرة طبيعية في مجتمعنا، ومن يقوم بذلك إما خالٍ من أدنى مظاهر الإنسانية أو أنه يقوم بذلك الأمر الشنيع، خوفاً من أمر يعتقده أشد خطورة من رمي طفل رضيع في القمامة!!. نحن في حاجة ماسة لمعرفة هذه الحقيقة للوقوف عليها ومناقشتها ومن ثم معالجتها، فلا نريد أن نضخم المشكلة أو أن نحمِّلها أكثر مما تتحمل، كما لا نريد الاستهانة بها أو التقليل من خطورتها على واقع المجتمع. ما سأثيره هنا هو الجزء الآخر من المشكلة، والذي سنطرحه بصيغة السؤال التالي؛ لماذا تتنازل الأم عن حقها في المحافظة على طفلها في أيامه الأولى لتقوم برميه في الشارع دون أن تتحرك فيها مشاعر الأمومة والإنسانية؟ هل ما تفعله هذه الأم أو ذلك الأب يعد أمراً طبيعياً، أم أنه خارج نطاق المألوف البشري؟ نحن ندرك جيداً أن الطفل اللقيط هو في الحقيقة نتاج عمل خاطئ جرى بين الرجل والمرأة، ولأجل التخلص من تبعات تلك الخطيئة يقوم أحدهم برمي (الطفل الخطيئة) من أجل عدم افتضاح أمرهما، والوقوع تحت المساءلتين القانونية والمجتمعية، فالقانون سيلزمهما بالزواج أو بالعقوبة الخاصة بهذه المخالفة، أما الأسرة والمجتمع والناس وكل وسائل الإعلام فلن يرحموهما إلى أن يفارقا الحياة!! لو كان مجتمعنا ينظر إلى البشر كبشر يخطئون ويصيبون فإنه لن يُحمَّل المخطئ أكثر مما يتحمل، وسوف يترك الحكم لله، وللقانون أن يأخذ مجراه، لكن في حالتنا، فالمجتمع هو الإله والحاكم والقانون والمراقب والمعصوم، لهذا يتردد المخطئ ألف مليار مرة قبل أن يفصح عن خطاياه أمام المجتمع خشية أن يُعاقب أكثر مما يستحقه من العقاب. إن المجتمع الذي نصَّب نفسه حكماً وقاضياً وجلاداً وفاضحاً للعاصين والمذنبين، سيكون من الطبيعي جداً حين تخطئ المرأة بالسِّفاح أن تقوم برمي أغلى ما يخرج من جسدها، ألا وهو طفلها، إلى الشارع خوفاً من محكمة المجتمع، وخشية من القتل حين تنتشر ثقافة تطهير سمعة العائلة بغسل الشرف المزعوم. إن الله سبحانه وتعالى وضع شروطاً تعجيزية لمحاسبة الزاني والزانية حتى لا تتفشى ظاهرة رمي المحصنات وحتى المذنبات، فالله يستر على عباده، فمن الأولى لنا أن نستر على عباده، خصوصاً حين نقف أمام الحقيقة التي تؤكد أننا كلنا نخطئ أكثر مما نصيب. نحن لا نشجع على الفاحشة ولا على السِّفاح، لكننا أيضاً ضد أن يقف البشر كقضاة للمخطئين حين تصدر من أحدهم خطيئة عارضة. أنا ضد كشف وإعلان الجهات الرسمية لحالات الإجهاض أو السِّفاح، وخيراً تفعل حين تلتزم الصمت عن كشف ما لا ينبغي كشفه للملأ، لكنني أيضاً أرى ضرورة إجراء دراسات علمية سرية تعالج قضايا الأطفال الأبرياء ممن يسمونهم باللقطاء، ومعالجة قضايا الأسرة والمجتمع، لمعرفة الخلل من أجل معالجته. إن الحل يكمن في تثقيف المجتمع، والأسرة على وجه التحديد، كما يجب إشراك كل الأطراف المسؤولة عن سلامة المجتمع، خصوصاً الجهات المعنية بشؤون الطفل والمرأة.