لا يمكن لأي عاقل إلا أن يصف توجيه وزير الداخلية تحديد مناطق المسيرات والتجمعات واستثناء العاصمة منها بالواقعية بسبب مراعاتها للجميع ولكونها توفق بين الحقوق التي يكفلها الدستور في ما يخص ممارسة حرية التعبير عن الرأي بالأساليب السلمية والقانونية وبين تجنب الإضرار بالمصلحة العامة وتعطيل الحياة. ورغم أن هذا التوجيه وصل متأخراً إلا أنه في النهاية خير من ألا يصل ولابد من تنفيذه في أسرع وقت لأن فيه مصلحة لكل الأطراف وقبلهم مصلحة الوطن، هؤلاء يمارسون حقهم في التعبير عن آرائهم ومواقفهم بحرية وأولئك ينعمون براحة البال ولا تتعطل مصالحهم أو تتأثر حياتهم ويزول عنهم القلق. هكذا هو الحال في الدول المتقدمة، وهكذا حال “الناس العدلة” التي تأخذ حقها وتعطي الآخرين حقوقهم. طبعاً مما لاشك فيه أن البعض الذي تعود الفوضى ويهمه أن يفعل ما يريد من دون أن يقال له “كخ” سيرفض هذا التوجيه وسيسعى إلى إدخالنا في متاهات بغية إعاقة هذا التوجه الحضاري وسيعتبره محاولة من الحكومة لضرب “المعارضة” والالتفاف على الحقوق والتضييق على ممارسة الحريات إلى آخر هذا الكلام “المأكول خيره” لأنه سيحرمهم من إحداث الفوضى في العاصمة ومن ثم عدم تمكنهم من إلحاق الأذى بالاقتصاد الذي سبق أن أعلنوا عنه واعتبروه هدفاً. لعل أصواتاً هنا وهناك خارجية تنبري لمهاجمة هذا التوجه العاقل الذي هو في كل الأحوال مطلب شعبي يؤدي إلى الإحساس بالاستقرار والأمان، فليس بعيداً أن تهاجم الفضائيات التي اختارت معاداة البحرين وتتقدمها السوسة الإيرانية هذا التوجه وتطعن فيه وتأتي برجالها وخيلها والمستفيدين منها ليهاجموه ويؤلبوا “المعارضة” عليه لرفضه، ولعلها تقول لهم بصريح العبارة إن عليكم أن ترفضوا هذا القرار وتصروا على الخروج في مسيرات في العاصمة لرفضه وعدم السماح لوزارة الداخلية مجرد التفكير في مثل هذا الأمر لأنه سيعطل مشروع إسقاط النظام الذي يحلمون به. معظم أهل البحرين زاروا دولاً أوروبية وبالخصوص بريطانيا وزاروا الولايات المتحدة، وجميعهم رأوا بأم أعينهم وأبيها كيف يمارس الناس هناك حق التعبير عن آرائهم وحرياتهم التي يكفلها الدستور والقانون من دون أن يسيئوا إلى الآخرين أو يتسببوا في تعطيل حياتهم والتأثير على أرزاقهم أو يسيئوا إلى قيادتهم أو حكومتهم أو يسمحوا لغريب بالتدخل والإساءة إلى وطنهم، وجميعهم رأى أن الهدف من تلك التجمعات بأنواعها هو توصيل الصوت و”المظلومية” إلى من بيدهم القرار والإصرار على المطالب بتكرار ممارسة حق التعبير بأنواعه حتى تحققها . فإذا تبين أن بين “المعارضة” البحرينية الكثيرين ممن استفاد من هذه الحقوق التي كفلها الدستور والقانون في تلك البلدان فإن رفضهم لهذا التوجه في البحرين يمكن تفسيره تفسيراً سالباً، لأنه من غير المنطقي أن يقبلوا ويستفيدوا من أسلوب في التعبير خارج وطنهم وأن يمتدحوه ثم يرفضوا أخذ بلادهم به. ما ينبغي التأكيد عليه هنا هو أن هذا التوجيه والتوجه يأتي تنفيذاً لما تم التوصل إليه في حوار التوافق الوطني الذي شارك فيه الجميع وانسحبت منه “الوفاق” لأسباب لم تعد خافية، ما يعني أن هذا الأمر مطلب شعبي ومتوافق عليه وأنه أمر تنظيمي ليس غريباً على شعب البحرين المتحضر أن يأخذ به بل يصر على الأخذ به. ما ينبغي الانتباه إليه أيضاً في توجيه وزير الداخلية أن التوجيه هو للمعنيين بوزارة الداخلية وأنه تم التأكيد على رئيس الأمن العام “بالاجتماع بمندوبي الجمعيات المختلفة لإطلاعهم على تفاصيل المواقع “المقترحة” والضوابط المطلوب التقيد بها”، أي أن الخطوة لن تفرض حيث المطلوب أن تكون نابعة عن قناعة الجميع وهو ما يعبر عن الإيمان بالديمقراطية ويؤكد قمة الذوق.